الرئيسيةاخبار الاقباطتذكار اعتراف المجمع المقدس بـ البابا كيرلس السادس قديسًا

تذكار اعتراف المجمع المقدس بـ البابا كيرلس السادس قديسًا

تحتفل الكنيسة اليوم بتذكار اعتراف المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـ البابا كيرلس السادس قديسًا.

قصة حياة البابا كيرلس

اسمه عازر، ولد ب طوخ النصاري بدمنهور 2 أغسطس سنة 1902، ووالده هو يوسف عطا المحب للكنيسة حريصًا على حِفظ تراثها.

ابتدأ عازر منذ الطفولة المبكرة حبه للكهنوت فكان ينام على حجر الرهبان، فكان من نصيبهم ولا سيما وأن بلدة طوخ كانت وقفٌ على دير البراموس في ذلك الوقت، ولذلك اعتاد الرهبان زيارة منزل والده. بعد أن حصل على

البكالوريا، عمل في إحدى شركات الملاحة بالإسكندرية، ظل هكذا خمس سنوات يعمل ويجاهد في حياة نسكية كاملة، فعاش راهبً زاهدًا في بيته وفي عمله دون أن يشعر به أحد، فكان ينام على الأرض بجوار فراشه ويترك طعامه مكتفيًا بكسرة صغيرة.

ذهابه للبرية

بالرغم من مقاومة أخيه الأكبر فقد ساعده الأنبا يوأنس البطريرك الـ113، وطلب قبوله في الرهبنة في دير البرموس بوادي النطرون، بعد أن قَدَّم استقالته من العمل في يوليو سنة 1927 فأوفد البابا معه

راهبًا فاضلًا؛ وهو القس بشارة البرموسي (لاحقًا: الأنبا مرقس مطران أبو تيج) فاصطحبه إلى الدير وعند وصولهم فوجئوا بإضاءة الأنوار ودق الأجراس وفتح قصر الضيافة وخروج الرهبان وعلى رأسهم القمص

شنودة البرموسي، أمين الدير لاستقباله، ظنًا منهم أنه زائر كبير! وعندما تحققوا الأمر قبلوه على أول درجة الرهبنة فورًا مستبشرين بمقدمه، إذ لم يسبق أن قوبِل راهب في تاريخ الدير بمثل هذه الحفاوة.

تمت رسامته راهبًا في كنيسة السيدة العذراء في الدير، فكان ساجدًا أمام الهيكل وعن يمينه جسد الأنبا موسى الأسود وعن يساره جسد القديس إيسيذوروس. ودعا بالراهب مينا وكان ذلك في فبراير سنة 1928 ، ثم رسمه الأنبا يؤانس قسًا في يوليو سنة 1931 .

تَوَحُّده

اشتاقت نفسه إلى الإنفراد في البرية والتوحد فيها، فقصد مغارة القمص صرابامون المتوحد الذي عاصره مدة وجيزة متتلمذًا على يديه، فكان نعم الخادم الأمين، ثم توجه إلى الأنبا يؤنس البطريرك وطلب منه السماح له بالتوحد في الدير الأبيض وتعميره إن

أمكن، وفعلا مضى إلى هناك وقضى فيه فترة قصيرة، ثم أقام فترة من الوقت في مغارة القمص عبد المسيح الحبشي، فكان يحمل على كتفه صفيحة الماء وكوز العدس أسبوعيًا من دير البرموس إلى مغارته العميقة في الصحراء حتى تركت علامة في كتفه إلى يوم نياحته.

زاره البطريرك الأنبا يؤنس عام 1934 وأعجب بعلمه وروحانيته.

شهادته للحق

حدث أن غضب رئيس الدير على سبعة من الرهبان وأمر بطردهم فلما بلغ الراهب المتوحد هذا الأمر أسرع إليه مستنكرًا ما حدث منه، ثم خرج مع المطرودين وتطوع لخدمتهم وتخفيف ألمهم النفسي، ثم توجه معهم إلى المقر البابوي وعندما استطلع البابا يوأنس البطريرك الأمر أمر بعودتهم إلى ديرهم وأثنى على القديس المتوحد.

إلا أن قديسنا استأذن غبطته في أمر إعادة تعمير دير مارمينا القديم بصحراء مريوط، ولكن إذ لم يحصل على الموافقة توجه إلى الجبل المقطم في مصر القديمة -الذي نقل بقوة الصوم والصلاة- واستأجر هناك طاحونة من الحكومة مقابل ستة قروش سنويًا وأقام فيها مستمتعًا بعشرة إلهية قوية وذلك في الثلاثاء 23 يونيو عام 1936.

وهناك انصهرت حياته من كثرة الصوم والصلاة والسهر حتى تحولت إلى منار، ثم إلى مزار بعد أن فاحت رائحة المسيح الزكية منه.

حدث أن داهمه اللصوص مرة في قلايته التي بناها بنفسه في الكنيسة الصغيرة داخل الطاحونة ظنًا منهم أنه يختزن ثروة كبيرة واعتدوا عليه بأن ضربوه ضربة قاسية على رأسه، ثم فروا هاربين بعدما تحققوا أنه لا يملك شيئًا سوى قطعة الخيش الخشنة التي ينام عليها وبعض الكتب.

أما القديس فأخذ يزحف على الأرض لأن رأسه أخذت تنزف نزفًا شديدًا حتى وصل إلى أيقونة شفيعه مارمينا العجايبي، وصلى أسفلها وهو في شبه غيبوبة وفي الحال توقف النزيف وقام معافى على أن علامة الضرب هذه في جبهته لم تزل موجودة إلى يوم انطلاقه إلى

الأمجاد السماوية إلا أنه لم يبق في هذا المكان الذي تقدس بالصلوات المرفوعة والذبيحة الإلهية المقدمة يوميًا طويلًا إذ أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي الثلاثاء 28 أكتوبر عام 1941 ظنه الإنجليز المحتلون أنه جاسوسًا وذهب بكنيسة السيدة العذراء بباليون.

تعلق بالسماويات وزهد الأرضيات، وعمل بيديه وسهر. ، فشابه معلمه الذي لم يكن له أين يسند رأسه.

ولذياع صيته وتقواه كان الكثيرون على مختلف طوائفهم ومللهم يسعون إليه للتبرك منه وطلب صلواته فقام بطبع كارت خاص به عليه (بسم الله القوي) باللغتين القبطية والعربية، ثم إحدى الآيات التي كان يعيشها القديس ويحياها مثل (ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه) وكان يوزعها على زائريه كما أصدر مجلة بسيطة شهرية أطلق عليها اسم ميناء الخلاص.

وفي عام 1944 أُسْنِدَت إليه رئاسة دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون بمغاغة. وسرعان ما التف الشباب المتحمس الذين استهوتهم الحياة الرهبانية حوله، الذين زهدوا في مجد العالم وزيفه

وقصدوا، إليه فاحتضنهم بأبوة صادقة وفتح لهم قلبه، فوجدوا في رحابه ورعايته ما أشبع نفوسهم الجوعى وروى ظمأ قلوبهم، وتتلمذ العديد على يديه فترعرع الدير وازدهر، وسرعان أيضا ما

أقام لهم المباني وبنى أسواره المتهدمة بفضل تشجيع الغيورين الذين الذين تسابقوا على رصد أموالهم وقفا للدير وفي وقت قصير تمكن من تدشين كنيسة الدير ببلدة الزورة (التابعة للدير).

وعلى إثر ذلك منحه المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف في ذلك الوقت رتبة الأيغومانوس (القمصية) الذي قال يومها اشكر إلهي الذي خلق من الضعف قوة كملت به نعمته في الابن المبارك .

قديسنا الحبيب كان متعلق بشفيعه مارمينا فصمم على بناء كنيسة صغيرة باسمه يعيش فيها إلى أن يكمل غربته بسلام، وبالفعل قد أعانه الرب وهناك في مصر القديمة من المنح والهبات والهدايا المتواضعة التي كان يتلقاها من أفراد

الشعب الذين عرفوا طريقه والذين كانوا يقصدونه طالبين الصلاة للشفاء من العلل بني قلايته ثم كنييه مارمينا وذلك سنة 1949. ثم توسع في البناء فأقام دارًا للضيافة كان يستقبل فيها الشباب الجامعي المغترب ليقيم فيها مقابل قروش زهيدة.

فكانت لهذه النواة بركة كبيرة، لأن أولئك الشباب سعدوا بالعشرة الإلهية لأن هذا المكان الطاهر لم يقهم وحسب من أجواء العالم الصاخب، ولكن أضفى عليهم روحانية عميقة حتى خرج

الكثيرون من هذا المكان المتواضع ليسوا حاملين للشهادات العلمية من جامعاتهم ولكن فوق ذلك كله رهبانًا أتقياء، تدربوا على حياة الفضيلة والزهد وحياة الصلاة الدائمة والسهر،

حيث كانوا يشاهدون معلمهم يستيقظ كل يوم مع منتصف الليل ليبدأ الصلاة وقراءة فصول الكتاب على ضوء مصباح صغير داخل حجرته المتواضعة. وقبل أن يطرق الفجر أبوابه اعتاد أن يغادر

صومعته ويتجه نحو فرن الكنيسة ومن دقيق النذور يبدأ عمل القربان ويشمر عن ساعديه ويعجن العجين، ثم يقطعه أحجاما متساوية ويختمه ويضعه في فرن هادئ ويظل يعمل ويتلوا المزامير حتى يفرغ منه.

ثم يتوجه إلى الكنيسة ليتلوا صلوات التسبحة ثم يقدس الأسرار الإلهية ويعود إلي مكتبته وقلايته فكانت حاجاته وحاجات الذين معه تخدمها يداه الطاهرتان، يغسل ثيابه لنفسه ويطبخ ويخدم الجميع.

وقد قام برسامة أخيه الأكبر قمصًا على هذه الكنيسة باسم القمص ميخائيل يوسف.

اختياره للباباوية

اختيار قداسة البابا لم يكن بعمل إنسان ولكن المختار من الله لكنيتنا القبطية.

كان ترتيبه بين المرشحين السادس، وكان على لجنة الترشيح حسب لائحة السبت 2 نوفمبر 1957 أن تقدم الخمسة رهبان المرشحين الأوائل للشعب. وفي اللحظة الأخيرة للتقدم بالخمسة

الأوائل، أجمع الرأي على تنحي الخامس، وتقدم السادس ليصبح الخامس. ثم أجريت عملية الاختيار للشعب لثلاثة منهم فكان آخرهم ترتيبا في أصوات المنتخبين وبقى إجراء القرعة

الهيكلية في الأحد 19 إبريل 1959 ولم يخطر ببال أحد أن يكون إنجيل القداس في ذلك اليوم يتنبأ عنه إذ يقول هكذا يكون الآخرون أولين والأولون يصيرون آخرين وكانت هذه هي نتيجة القرعة.

ودقت أجراس الكنائس معلنة فرحة السماء وأتوا بالقمص مينا البرموسي المتوحد ليكون البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية المائة والسادس عشر من خلفاء مارمرقس الرسول. وعند ذاك أيقن الشعب أن عناية الله تدخلت في الانتخاب.

تميز عهد قداسته بانتعاش الإيمان ونمو القيم الروحية فحياة الراهب مينا كانت هي وهو البابا كيرلس في ملبسه الخشن وشاله المعروف وحتى منديله السميك ومأكله البسيط فلم يكن

يأكل إلا مرتين في اليوم الأولى الساعة الثانية والنصف ظهرًا والثانية الساعة التاسعة مساءً، وفي الأصوام مرة واحدة بعد قداسه الحبري الذي ينتهي بعد الساعة الخامسة مساءً

وفي سهره وصلواته كذلك فكان يصحوا من نومه قبل الساعة الرابعة من فجر كل يوم ليؤدي صلوات التسبحة ويقيم قداس الصباح وبعدها يستقبل أولاده.. وهكذا يقضي نهار يومه في خدمة شعبه.

فهو رجل الصلاة أدرك ما في الصلاة من قوة فعالة فكانت سلاحه البتّار الذي بواسطتها استطاع أن يتغلب على أعضل المشكلات التي كانت تقابله.

وفوق ذلك فقد حباه الله موهبة الدموع التي كانت تنهمر من مآقيه طالما كان مصليًا وموهبة الدموع هذه لا تُعطى إلا لِمُنْسَحِقي القلوب، فكان يسكب نفسه انسكابًا أمام الله ويذوب في حضرته، فإذا ما كنت معه مصليًا أحسست أنك في السماء وفي شركة عميقة مع الله.

كثيرا ما كان يزور الكنائس المختلفة فجر أي يوم حيث يفاجئهم ويرى العاملين منهم والخاملين في كرم الرب فكان معلما صامتا مقدمًا نفسه في كل شيء قدوة مقدمًا في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصًا.

وهذه الحياة المقدسة وهذه الروحانية العالية التي لأبينا البار فقد ألهبت قلوب الرعاة والرعية

وفتح بابه يوميًا لاستقبال أبناءه فقيرهم قبل غنيّهم، صغيرهم قبل كبيرهم ويخرج الجميع من عنده والبهجة تشع من وجوههم شاكرين تغمرهم راحة نفسية لما يلمسونه من غبطته من طول أناه وسعة صدر تثير فيهم عاطفة الأبوة الحقيقية الصادقة.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات