نتيجة “استثنائية” يمكن أن “تشجع” المسيحيين “على العودة إلى مدينتهم الحبيبة، مع اليقين بأن هذا سيساعد على خلق الأمل وتعزيز التعايش المتناغم والحفاظ على نسيج الموصل الجميل والمتنوع”. هذا ما قاله بطريرك بابل للكلدان لويس رافائيل ساكو، في عظة خلال قداس احتفل به أمس الجمعة لافتتاح كنيسة سيدة المعونة الدائمة في الموصل شمال العراق، بعد نهاية أعمال الترميم.
مكان العبادة هذا يشكل رمزا لدمار تنظيم الدولة الإسلامية، الذي احتله ودنسه، لدى احتلاله المدينة في صيف العام 2014، قبل أن يحررها الجيش العراقي بعد ثلاث سنوات. وقد ذكّر غبطته بأنه أدار شؤون الكنيسة والمدرسة التابعة لها لمدة خمس عشرة سنة، وشعر آنذاك الجميع أنهم عائلة واحدة، مسيحيين ومسلمين، في وئام تام، كما قال.
وقد حضرت الاحتفال قيادات دينية وسياسية مسيحية ومسلمة وإيزيدية وسبئية من الموصل وسهل نينوى، فضلا عن شخصيات دولية، بمن فيهم من مولوا إعادة إعمار مكان العبادة، وما لا يقل عن ثلاثمائة مؤمن. وعلى هامش
الاحتفال صرحت المديرة السابقة للمدرسة التابعة للكنيسة، في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، بأنها كانت تنتظر هذا اليوم، مضيفة أنها تأمل بأن “تعود العائلات المسيحية وأن تُستأنف الحياة كما كانت في
السابق” في الموصل، علما أن المدينة سبق أن زارها البابا فرنسيس خلال رحلته الرسولية التاريخية إلى العراق في عام 2021، وتوجد فيها اليوم عدة كنائس وأديرة يتم ترميمها مع أن عملية إعادة الإعمار تسير ببطء.
في عظته خلال القداس، توقف الكاردينال ساكو عند الدور “الرائد” للمسيحيين في بناء الحضارة العراقية والمجتمع والثقافة والتقدم في محافظة الموصل. ولم يُخف أسفه لعدم مشاركة الحاكم الحالي، الذي كان
وجوده سيشجع المسيحيين على العودة إلى مدينتهم. وأضاف غبطته يقول إن “الظروف الصعبة تهدد وجود الجماعات المسيحية”، ولهذا السبب “ننتظر بأمل” نظاما سياسيا “في خدمة المواطنين” وإجراءات
تهدف إلى “العدالة والمساواة” للتغلب على “الطائفية والمحاصصة بين المكونات” في منظور “السلام والثقة”. ويخلص إلى أنه من الضروري محاربة الفساد وانتشار الأسلحة و”تفكيك الفكر المتطرف”.
لمناسبة هذا الاحتفال الهام نشرت وكالة الأنباء الكاثوليكية آسيا نيوز مقالاً سلطت فيه الضوء على الدمار الذي سببه في المدينة تنظيم الدولة الإسلامية في آذار مارس 2017 والذي
بدا جلياً عند تحرير حي الدواسة على أيدي القوات العراقية التي عثرت أثناء تفتيشها في المنطقة على كنيسة مسيحية يستخدمها المسلحون كقاعدة لهم. أما كنيسة سيدة المعونة الدائمة،
ففقدت في ذلك الوقت أي علامة تدل على ماضيها لأن الصليب والتماثيل دُمرت واستُبدلت بملصقات ورموز لتنظيم داعش. بيد أن اللافتة فوق الباب، “الكنيسة الكلدانية
الكاثوليكية”، إلى جانب المذبح الرخامي الرمادي ظلا يشهدان على الوظيفة الأصلية للمبنى، بينما عُلقت على الجدران لافتات كُتب عليها “ممنوع الدخول” والذي فرضته الشرطة الدينية الجهادية.
أما الملصقات التي وُضعت على الأعمدة الرخامية لمكان العبادة هذا فتضمنت القواعد الأربع عشرة التي فُرضت على الموصل، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء ملابس محتشمة والظهور في الأماكن العامة فقط “إذا
لزم الأمر”. وقد تم العثور على منشور يصوّر العقوبة البدنية المخصصة للمدانين بالسرقة واستهلاك الكحول والزنا والمثلية الجنسية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد استولى على المدينة في عام 2014، وأجبر
المسيحيين على الاختيار بين الارتداد إلى الإسلام أو دفع ضريبة خاصة أو الرحيل أو الموت. وبعد بضعة أسابيع، دمر داعش مدينة قرة قوش في سهل نينوى، ما أجبر معظم المسيحيين البالغ عددهم مائة وعشرين ألفاً على الفرار.