كان لحفر قناة السويس أن يحدث تغيير في الطبيعة الديموغرافية بشرق مصر، ولم يؤثر عمل بشري على المحروسة في العلاقات السياسية والدولية بالقدر الذي فعله حفر قناة السويس.
لذلك كانت القناة سببا في إنشاء عدة كنائس وأديرة في الإقليم الذي بدأ يستقطب عدد كبير من داخل الوطن، من الأجانب بالتزامن مع أعمال الحفر، إذ أعادت القناة مصر إلى قلب العالم وجعلتها بؤرة الخريطة العالمية، ومع تكون تلك الجاليات استلزم إنشاء دور عبادة ورعاية لهم، لعل أبرزها وأقدمها في السويس كنيسة الراعي الصالح وهي أقدم دير بالمحافظة.
دير للراهبات
يقول الأب أرسانيوس راعي كنيسة الراعي الصالح في السويس، إن الكنيسة بدأت دير للراهبات، ملحق به كنيسة ومدرسة للراهبات، وتعود نشأة دير الراعي الصالح في السويس إلى يوليو عام 1865، السويس في تلك الحقبة كانت من واحدة من أهم المدن المصرية حيث تزامن تأسيس الكنيسة والدير مع حفر قناة السويس.
إرسال الراهبات
يروي الأب ارسانيوس أن المونسير باسكال فوجيسيك الفرنسيسكانى، القاصد الرسولي على مصر في فترة تأسيس دير الراعي الصالح “سبتمبر 1860 _ أغسطس 1866” طلب من الأم المؤسسة ماري أوفرازي أن ترسل مجموعة من بناتها الراهبات إلى السويس لخدمة العمال في حفر القناة وتقديم الخدمات الصحية والعلاجية.
فرمان خديوي
أثناء إقامة الراهبات في منزل قديم لأحد المحسنين، وافق الخديوي إسماعيل بموجب فرمان خديوي، أن تُعطى للراهبات قطعة أرض تصلح لبناء دير يقيمن فيه، ومن خلاله يقدمن خدماتهن للعاملين في حفر قناة السويس بلا أية استثناءات.
في 7 يوليو 1865 وفق سجلات الكنيسة، بدأت أعمال الإنشاء على قطعة الأرض في أحد أهم الشوارع بالمدينة وهو شارع الجيش حاليا الذي كان ينتهي عند المدخل الجنوبي للقناة ويسير بطول المدينة يقطعها بالطول الطرق ويصل بين السويس والطريق المؤدي على القاهرة.
وكان الهدف من الإنشاء أن يكون الدير نواة لخدمات الراهبات اللاتي قدمتها من خلال مستوصف خيري وفر الخدمات الطبية والعلاجية لكل محتاج من المصريين والأجانب العاملين في مشروع الحفر.
جرى إنشاء الكنيسة على يد الفرنسيين، وذلك بجانب الإشراف على حفر القناة، وإقامة بعض المنشآت لإدارة الحركة، مع إنشاء استراحات للمرشدين الأجانب ببورتوفيق، وبعد رحيل الفرنسيين تغيرت بعض الجوانب المعمارية بالكنيسة والدير لتواكب الطراز القبطي، بعد أن كان يطغى عليها الطابع الفرنسي في البناء مثل استراحات وفيلات كبار موظفي القناة في مدينة بورتوفيق.
مدرسة للجميع
يتابع راعي الكنيسة، أنه عقب ذلك تم إنشاء مدرسة صغيرة لتعليم الأولاد من مختلف الطبقات والديانات في ذلك الوقت، والتي ما زالت موجود حتى اليوم باسم مدرسة الراهبات الفرنسيسكان، وتضم فناء كبير تقام فيه الأنشطة الترويحية والثقافية للأطفال.
حرق وتخريب
كانت الكنيسة ضمن المنشآت التي تعرضت للتخريب والحرق في السويس عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وفق الاب بشاي إسحاق وكيل مطرانية الأقباط الكاثوليك في السويس وراعى الكنيسة السابق أن تقرير الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة قدر حجم الخسائر بـ 4.6 مليون جنيه، بجانب خسائر بمكتب الراعي ومركز الحاسب الآلى الخاص بتعليم الأطفال.
لا تقدر بثمن
كما أتلفت أعمال التخريب مقتنيات لا يمكن حساب قيمتها ولا تقدر بثمن، منها 14 تمثالا كانت واردة من إيطاليا مع بناء الدير وهي تجسد رحلة السيد المسيح من ولادته وحتى مشاهد القيام، وايقونات أثرية يزيد عمرها عن 150 سنة، وإتلاف أرشيف الكنيسة.
استغرقت أعمال الترميم عام كامل من ديسمبر عام 2015، حتى مطلع عام 2017 حيث جرى افتتاح الكنيسة في 21 يناير ذلك العام، بعد أعمال إصلاح وصيانة شاملة وتطوير كامل بعد الدمار الذي اتلف البنية الانشائية للكنيسة وأرض المذبح.