من قلب باريس النابض بالحياة، حيث تتلاقى الثقافات وتتداخل الحضارات، يعيش الآلاف من الأقباط المصريين حاملين معهم تراثهم العريق وإيمانهم الراسخ، وعلى رأس هذه الجالية، يقف الأنبا مارك، أسقف شمال فرنسا، كقائد روحي يجمع شمل أبنائه، ويسعى جاهدًا للحفاظ على هويتهم المسيحية في ظل مجتمع متعدد الثقافات.
الأنبا مارك أسقف شمال فرنسا، ليس مجرد رجل دين فقط، بل هو أيضًا رجل دولة، يواجه تحديات جسام في سبيل الحفاظ على وحدة الجالية القبطية في فرنسا، وتعزيز حوارها مع المجتمع الفرنسي، فهو يسعى جاهدًا لبناء جسور التواصل بين الأديان والثقافات المختلفة، مؤمنًا بأن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق التعايش السلمي والتفاهم المتبادل.
وتزامنًا مع تاريخ تأسيس إيبارشية فرنسا، وزيارة البابا تواضروس في أكتوبر 2019، كان لـ«البوابة نيوز» لقاءً مع الأنبا مارك أسقف شمال فرنسا في كنيسة السيدة العذراء ورئيس الملائكة رافائيل بدرافي بفرنسا، للحديث عن مصر والتحديات التي تواجهها، وكذلك الأوضاع في فلسطين، ودور الكنيسة القبطية في مساندة الشباب المغترب، وإلى نص الحوار..
– تأسست مع تجليسي أسقفًا على إيبارشية باريس وشمال فرنسا في 11 نوفمبر 2017، بيد قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
– منذ اليوم الأول لظهوره في 3 يوليو 2013، عندما ظهر الرئيس السيسي مع ممثلي الشعب، والبابا تواضروس وفضيلة شيخ الأزهر الشريف، واستبشر الجميع خيرًا، لأن كل فئات الشعب كانت مُمثلة في هذا اليوم، حيث أنه وعلى مدى
عقود ماضية كان هناك تهميشًا للأقباط لم يعد موجودًا الآن، فاليوم الدولة بصيرة أن الاقباط هم مصريين ولهم حقوق، كذلك ذهاب الرئيس السيسي للتهنئة بعيد الميلاد في كل عام له مدلول قوي من المحبة والتقدير لكل المسيحيين.
– المصريون في باريس يدركون تمامًا أين كانت مصر وكيف أصبحت الآن، ومدى التقدم والاستقرار الذي تشهده مصر، كما أن الجميع كان لديه الحرص على المشاركة في الانتخابات
الرئاسية، وكان لديهم دافعًا وطنيًا بدورهم وواجباتهم وحقوقهم تجاه وطنهم، وفي الحقيقة كانت المشاركة مُشرفة، ونحن نُصلي دائمًا أن تتجاوز مصر جميع التحديات الداخلية
والخارجية، وأن يتحقق الرخاء والاستقرار الأمني والاقتصادي ويكون المواطن المصري في صدارة مواطني العالم، فالقيادة الحكيمة لمصر منحتها الاستقرار، مُقارنةً بكل الدول المحيطة.
– الكنيسة كان لها موقفًا مشرفًا عقب وقائع حرق عدد كبير من الكنائس في محافظات مصر والمنيا بالتحديد، بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة عام 2013، حيث قال البابا تواضروس الثاني،
إن وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن، كما كان للدولة أيضًا دورًا مشرفًا، لأنها الدولة أدركت أن الاعتداء على الكنائس كان اعتداءً على الدولة وليس اعتداء على فئة أو دين،
وقامت بعد ذلك بترميم الكنائس وتجديدها بشكل مُشرف يليق بمصر، وأصبح الآن يوجد كنيسة في كل مدينة وقرية جديدة، وهذا أعطى للاقباط حقوقهم التي كانت مهدوره في الأعوام السابقة.
– نحن نرفض كل أنواع العنف والعدوان الذي يتعرض له الأشقاء في فلسطين، ونصلي من أجل السلام، والكنيسة تصلي من أجل السلام الكامل، وإن كان لا يتحقق على الأرض، ولكن نصلي من أجل سلام الشعوب، وخصوصًا إن كانت الحرب غير متكافئة بين جيش ضد مواطنين مدنين عُزل، وأكد عددًا من رؤساء الكنائس في القدس، في بيان مشترك لهم، رفضهم لهذا العدوان الموجه ضد الأطفال والنساء وكل البشر.
ما هو مستوى العلاقات التى تربط الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والسفارة المصرية في باريس؟
- الكنيسة القبطية في باريس يربطها علاقات محبة كاملة مع السفارة المصرية في العاصمة الفرنسية بباريس بقيادة السفير علاء يوسف، وتربطنا به علاقات مودة ومحبة ونتزاور في مناسبات عديدة، وهو شخصية رائعة، وله جهود كبيرة في الاهتمام بمسار
العائلة المقدسة والترويج السياحي لها، ولا يتأخر عن خدمة كل المصريين، إلى جانب معاونة القنصل العام تامر توفيق، الذي له جهود كبيرة في خدمة المصريين، وطلب مني أفلام عن الأديرة القبطية وزيارة العائلة المقدسة، والآن هذه الأفلام تُعرض في السفارة.
– كانت زيارة مفرحة للغاية، لأنها كانت أول زيارة للبابا تواضروس لفرنسا في أكتوبر 2019، فهي زيارة رسولية ورعوية، دشنا فيها مذبح الكاتدرائية باسم العذراء والملاك رافائيل، ومذبح باسم 49 شهيد والقديس الأنبا أبوللو والقديس الأنبا أبيب.
شباب الإيبارشية كانوا وقود الزيارة من تحضيرات وأمن وتنظيم، وأثنى البابا أثناء الزيارة بطاقة الشباب ونظامهم، وكان لديه انطباعًا إيجابيًا عن شعب فرنسا عمومًا، وفي المجمل كانت زيارة موفقة.
أما زيارة قداسته لروما، فكانت تاريخية، حيث أظهرت المحبة بين الطائفة الكاثوليكية مع الكنيسة القبطية والبابا فرنسيس مع البابا تواضروس
– الأخوة الكاثوليك وبعض الكنائس الأرثوذكسية يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في 25 ديسمبر، ونحن الأقباط الأرثوذكس في 7 يناير، والاختلاف التاريخي الخاص بعيد الميلاد المجيد، لا علاقة له بالخلاف العقائدي، وآمل طبعًا أن يتم توحيد موعد العيد، ففكرة توحيد الأعياد مهمة قادة الكنائس، وعلى المؤمنين أن يتقبلوا الموعد.
فالكنيسة الأرثوذكسية ارتبطت بموعد الاحتفال بعيد الميلاد في 29 كيهك، لأن عيد البشارة يأتي في 29 برمهات، ومدة حمل السيدة العذراء 9 أشهر، والكنيسة متمسكة بالتقويم القبطي، لأنه تقويم ثابت وهو أكثر تقويم فيه انضباط من أيام الفراعنة، وشهر كيهك به أربعة آحاد يتم الاستعداد من خلالها بميلاد السيد المسيح، وهناك عادة أوروبية تشير إلى وجود 4 شمعات يتم إشعالها في كل أسبوع دون أن يعرفوا السبب.
– المصريون مرتبطون بوطنهم مصر، ودائمًا يزورون مصر في مختلف الإجازات والمناسبات ويذهبون لزيارة عائلاتهم والأديرة والكنائس، وهناك روابط بين أبناء الكنيسة من الجيل الثاني في باريس وبين وطنهم
مصر، وبدأ قداسة البابا تواضروس الثاني، ملتقى الشباب العالمي، لربط أبناء المهجر بوطنهم مصر، وكان لي الحظ إني أشارك في أول ملتقى مع 201 من شباب العالم لأكون ممثل عن كل الأساقفة، كما شارك من فرنسا 6
شباب من أبناء الإيبارشية، وهذا الملتقى يعقد في شهر أغسطس، ولكن برغم حرارة الأجواء، فإنهم يشعرون بعظمة الكنيسة المصرية ويتقربون من قداسة البابا ويشعرون بأبوته عن قُرب، ويدركون مدى العمل
القائم في الكنائس، ويكون له تحضيرات هامة من المنظمين الذي يتخطون 50 فردًا، وله هدف واحد أن يتعايشوا في بلدهم مصر، ويشعرون بمدى الاستقرار الذي تنعم به بلادنا مصر، رغم جميع التحديات الداخلية والخارجية.
– إيباراشية باريس وشمال فرنسا لديها 15 مكانًا لإقامة الصلوات والقداس، وهناك تزايد مستمر في أبناء الإيبارشية من خلال حالات الزواج أو الوافدين، والكنيسة من الممكن أن تستعير كنيسة من الإخوة الكاثوليك أو من الكنيسة الروسية لإقامة القداس.
فالكنيسة لديها مجموعة من الشباب المشرف ولديهم انتماء للوطن مصر ولكنيسته القبطية، ولديهم استعداد للخدمة، حيث نظموا أسبوع للخدمة من الخلال السفر إلى مصر في إحدى المناطق، ويقدمون لهم خدمات مختلفة وأنشطة متنوعة ومن خلال هذه الأنشطة يتعلمون الخدمة، وهذه الخدمة تعود عليهم بعائد روحي كبير.
فالشباب هم وقود الخدمة في كل الإيبارشيات، ومنهم من يُسافر إلى أفريقيا، حيث يتوجهوا إلى بروندي، وهى من أفقر دول العالم، إلى جانب خدمة المُسنين والمرضى في المجتمع الفرنسي، وهي خدمة تُدخل الفرح على قلوب الجميع، كذلك يخدمون الذين بلا مأوى في الشوارع ويقدمون لهم الأطعمة والمشروبات الدافئة، فضلًا عن خدمات الميديا المختلفة، وتنظيم المؤتمرات، وكل هذه الأمور يقوم بها الشباب من أنفسهم.
كما أن الخدمات تكون أيام السبت والأحد والأربعاء، فالخدمة الكنسية في مصر متنوعة وغنية بالخُدام أكثر من الخدمة في فرنسا، لأنه يوجد الأساقفة والكهنة والخُدام المتكلمين بكثرة، لكن هنا العدد محدود.
– الإيبارشية في باريس تستعين في خدمتها بعدد من الآباء الرُهبان، ويخدم فيها 6 من الآباء الرهبان، و4 منهم يقيمون في المطرانية واثنان في مكان آخر يُسمى الدير، وهناك حرص في الخدمة للحديث المستمر عن فكرة التكريس، وهناك 11 أب كاهن متزوجين يخدمون على مستوى الإيبارشية، وهناك احتياج لمزيد من الآباء الكهنة من أجل الخدمة.
- الكل يعمل من أجل الكنيسة، والمعتاد في الكنيسة أن يتم اختيار شخص للقيام بالمسئولية، ودائماً ارفع شعار في الإيبارشية «إن الله في وسطها فلا تتزعزع»، وأن حل المشكلات يأتي بالإيمان وليس بقوة بشرية، وأقول دائماً «لتكن مشيئتك»، ففي أي صعوبات ف الله يحل كل صعب من أجل الكنيسة.
– نصيحتي للشباب الذي يرغب في السفر، أن يُرتب أفكاره، لأن هدف البعض هو السفر فقط، ولكنها فكرة غير واقعية، لأن يوجد أفكار نمطية خاطئة عن السفر، فالآن تغير العملة داخل البلد ممكن أن لا تكفي للمعيشة، كما أن مصر الآن مُختلفة عن ذي قبل، وبها مشروعات كثيرة، والعديد من فرص العمل.
– الكنيسة لديها تقويم قبطي، وكل يوم له موضوعات محددة، فنحن لدينا قراءات خاصة بأيام السنة وآحاد السنة ولها برامج طقسية، ولا يوجد في الكنيسة خطاب ديني، ولكن نُسميها «عظة»، وكل ما يُقدم في الكنيسة عبارة عن عظات روحية أو تعليمية، وهي تُعطي إرشادات روحية للأفراد من أجل حياتهم الروحية، لكي يتقربوا إلى الله.
– الكنيسة تستخدم السوشيال ميديا بطريقة إيجابية، لبث القداسات والوعظات، والإنسان الحكيم هو من يأخذ المعلومة من مصدرها، فالسوشيال ميديا هي عالم موازي، والإنسان عليه أن يختار المكان الذي يذهب إليه، وأدعو الجميع أن ينتقي استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي، وأن يأخذ المعلومة من مصدرها، كذلك الكنيسة تنشر المعلومات الخاصة بها من أجل أبنائها وما يفيدهم.
مسيرة الأنبا مارك أسقف شمال فرنسا في سطور
الأنبا مارك ولد في 28 سبتمبر 1970
تخرج من كلية التجارة عام 1992
والتحق بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في 21 فبراير عام 1998
يعود تاريخ الرهبنة إلي 31 ديسمبر 2001، وسمي قبل الأسقفية الراهب القمص أبوللو الأنبا بيشوي
كانت اول خدمة له عام 2011 في إيبارشية النمسا في فيينا بكنائسها، مع الأنبا جبريل
وعن تاريخ الرسامة أسقفًا:
أسقف عام: 24 مايو 2015، أسقف عام باريس، فرنسا
التجليس: 11 نوفمبر 2017، باريس، وشمال فرنسا، فرنسا
– رُسِمَ بيد قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية
– خدم في التدريس بالكلية الإكليريكية
ويعرف اللغات العربية والقبطية والألمانية، كما تعلَّم الفرنسية وبدأ الصلاة بها