تحتفل الكنيسة، اليوم بتذكار ميلاد البابا شنودة الثالث، ولدَّ يوم 3 أغسطس 1923م بقرية سلام بمحافظة أسيوط من أبوين مسيحيين أرثوذكسيين ودُعيَ باسم “نظير جيد روفائيل جاد”.
نَالَ سر المعمودية المقدَّس بدير القديس الأنبا شنوده بسوهاج.
اجتاز مراحله التعليمية الأولى (التحضيرية والابتدائي) في دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، متنقلًا مع شقيقه الأكبر روفائيل بحسب تنقلات عمله.
التحق بمدرسة (الإيمان الثانوية) بجزيرة بدران – بشبرا مصر بالقاهرة، وأتمَّ دراسته الثانوية بالقسم الأدبي بمدرسة (راغب مرجان) بالفجالة.
بدأ خدمته في مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة بالقاهرة عام 1939م، وفي نفس العام تعَلَّم قداسته قواعد الشعرِ.
كتب نشيدًا وطنيًا لعمال مصر أنشدوه في عيدهم عام 1940م. وكان ذلك في سنٍ مبكرٍ جدًّا، فقد كان عمره أنذاك 17 عامًا.
الخدمة والتدريس
بدأ خدمته بكنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا مصر في 1946م. وتُعتَبر هي المكان الرئيسي لخدمته في التربية الكنسية قَبل رهبنته.
التحق بالكلية الإكليريكية سنة 1946م، وتخرج بها سنة 1949م، وكان الأول في الترتيب وقام بالتدريس بها في السنة التالية.
حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ – من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) في عام 1947م، كما تخرج في كلية الضباط الاحتياط في العام ذاته وكان أول الخريجين.
بدأ في نشر مقالاته بمجلة “الحَقّ” التي كان يصدرها أب اعترافه وقتذاك – القمص يوسف الديري كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بشبرا البلد، وقد نشر بها سبع مقالات خلال الفترة من أكتوبر 1947م إلى نوفمبر 1948م.
بدأ يكتب قصائد روحية بمجلة مدارس الأحد، ثم صار يكتب مقالات روحية بمجلة مدارس الأحد في أبريل 1947م.
عمل في مجال التدريس.. وفي عام 1949م تكَرّس للخدمةِ، وللتدريسِ بالإكليريكية.
تولى رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد أثناء سفر مؤسسها إدوار بنيامين إلى إثيوبيا في أكتوبر 1949م، وحتى رهبنته في يوليو 1954م.
اُختيرَ رئيسًا لمجلس إدارة بيت مدارس الأحد عام 1952م، ثم استقال منه ليتفرغ للإكليريكية وللخدمة.
قامَ بالتدريس في مدرسة الرهبان بحلوان عام 1953م.
الشعر
بدأت التجربة الشعرية عنده مبكرًا جدًا -عندما كان عمره 14 سنة- وصَقَلهَا بدراسة أوزان الشعر وتفاعيله وبحوره عام 1939م. وكانت الفترة من 1946 – 1962م، هي أكثر الفترات إنتاجًا لشعره.
لقداسته حوالي خمس وعشرين قصيدةً روحية. إلى جانب المئات من أبيات الشعر. ومن أشهر قصائده: غريب (1946م)، وذلك الثوب (1946م)، أبواب الجحيم (1946م)، أبطال (1947م)، هذه الكرمة (1948م)، وماذا بعد هذا؟ (1948م)، من ألحان باراباس
(1949م)، الأمومة (1949م)، أنا يا نجم غريب ههنا (1950م)، أغلق الباب (1950م)، وأبٌ أنتَ (1951م)، قم (1951م)، سائح (1954م)، في جَنةِ عدن (1954م)، مَن تكون؟ (1960م)، همسة حب (1961م)، تائه في غربة (1961م)، كيف أنسى (1962 م) (مديح الأنبا أنطونيوس)… إلخ.
كان واحدًا من رواد “الانطلاقة الرهبانية” التي قام بها خدَّام مدارس الأحد في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن العشرين
البابا الخادم
البابا شنودة الثالث
غرست يمين الرب الخادم نظير جيد في حقل الخدمة منذ صباه، وأثمرت خدمته في التربية الكنسية، واجتماعات الخدام، واجتماعات الشباب وذلك في كنائس وجمعيات عديدة منها:
كنيسة السيدة العذراء بمهمشة عام 1939، جمعية النهضة الروحية بشبرا في أوائل الأربعينات، وخدم في بيت مدارس الأحد القبطي 70 شارع روض الفرج بشبرا.
عندما صار أسقفًا للتعليم وبعدما أصبح بطريركًا اهتم بخدمة التربية الكنيسة ووضع مناهجها،
كما اهتم بخدمة وأنشطة أسقفية الشباب وأسقفية الخدمات، كما اهتم باجتماعات أمناء الخدمة، واجتماعات الأسر الجامعية.
في كل مكان ذهب إليه قداسته اهتم بخدمة المرأة والأسرة والطفل، كما اهتم بخدمة المرضى والذين ليس لهم أحد يذكرهم، والمعاقين، والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة
حظيت الخدمة التي تقوم بها الجمعيات على اهتمام قداسته وتشجيعه لها.
وفي كل هذا يقول قداسته:
“إن طريقنا في الخدمة يا اخواتي هو الحب.. نحب الكل بلا استثناء.. بلا تفريق.. فالله محبة.. نحن نحب الجميع،
وننشد الحب في كل زمان.. وفي كل مكان، وفي كل قلب. نحن نحب الذي يحبنا، الذي يكرهنا أيضًا.. وثقوا أن المحبة لابد أن تنتصر.. فالمحبة لا تسقط أبدًا”.
تأملاته
تأملات للبابا شنوده
الرهبنة
تَرَهب بدير السيدة العذراء (السريان) بوادي النطرون باسم (الراهب أنطونيوس السرياني) في 18 يوليو 1954م.
التوحد في المغارة
بدأ حياة الوحدة في فبراير 1956م، وأقام بمغارة غربي دير السريان بحوالي 3,5 كم،
وفي عام 1960م انتقل إلى مغارة أخرى أكثر بُعدًا عن الدير، إذ تبعد حوالي 12 كم جنوب الدير، وتطل على البحر الفارغ.
سيِمَ قسًا يوم الأحد 31 أغسطس 1958م، بيد المتنيح الأنبا ثاؤفيلس أسقف الدير وقتذاك، وكان سبب قبوله الكهنوت هو حاجة الدير وقتئذ إلى أب اعتراف للرهبان الجدد.
بعد شهر واحد من جلوس البابا كيرلس السادس على الكرسي المرقسي في يونيو 1959م،
اختاره قداسته ليكون سكرتيرًا له، وفي سبتمبر من نفس العام عاد إلى الدير مرة أخرى لاشتياقه لحياة الوحدة.
الأسقفية
تمت سيامته أسقفًا عامًا للتعليم والكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية باسم: الأنبا شنوده، في 30 سبتمبر 1962م ليصبح أول أسقف للتعليم.
بعد سيامته أسقفًا للتعليم، أسس اجتماعات روحية للوعظ والتعليم بمنطقة دير الأنبا رويس بالعباسية.
وكانت محاضراته يومين أسبوعيًا ثم أصبحت يومًا واحدًا هو يوم الأربعاء، وكان الاجتماع يزدحم بالآلاف من كل فئات الشعب،
وأخذ هذا الاجتماع ينمو حتى أصبح من أشهر الاجتماعات الدينية بمنطقة الشرق الأوسط.
أوفدته الكنيسة لحضور العيد الألفي لتأسيس أديرة جبل أثوس باليونان عام 1963م.
البابا الصحفي
أصدر العدد الأول من مجلة “الكرازة” والتي ظلَّ يرأس تحريرها لمدة 47 عام في يناير 1965م.
أصبح عضوًا بنقابة الصحفيين، عام 1966م وظل يحتفظ بهذه العضوية طوال حياته.
خدمته الرعوية كأسقف
اختير أول رئيس لرابطة المعاهد اللاهوتية بالشرق الأوسط في عام 1969م.
مثل الكنيسة في الحوار اللاهوتي بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية في سبتمبر 1971م، والذي نظمته مجموعة Pro Oriente برو أورينتا، ووضع صيغة إيمان وافق عليها الطرفان.
أثناء فترة أسقفيته للتعليم (1962 – 1971م) سافر إلى العديد من الإيبارشيات بدعوة من مطارنتها وأساقفتها لإلقاء محاضرات وعظات بها، كانت تمتد أحيانًا أسبوعًا كاملًا، فألقى محاضرات في ميت غمر، والمحلة الكبرى، ودمياط، والمنصورة، والزقازيق، وبنها، والمنوفية، والبحيرة، وأبو تيج، وطهطا، وديروط، ومنفلوط، وأخميم وقنا، والأقصر، وأسوان.
البابا المعلم.
البابا و التعليم – البابا شنودة
أكثر ما يميز قداسته أنه البابا المعلم، البابا الذي اهتم بالبحث والاطلاع، وبالتعليم والتأليف، إن قداسته على مثال الآباء الأوائل معلمي المسكونة: أثناسيوس وكيرلس وديوسقوروس.
يقول قداسته: “الوضع الطبيعي هو مصر والخارج، وكذلك بمعهد الدراسات القبطية، ومعهد الرعاية والتربية، ومعهد الكتاب المقدس.
أسس قداسته مركز البابا شنوده الثقافي للتعليم وتكنولوجيا المعلومات.
استمر قداسته حتى آخر لحظه من حياته في إشباع جموع المؤمنين بالتعليم الروحي من خلال عظاته الأسبوعية..
في الكلية الإكليريكية وفي الندوات واللقاءات التي كان يُدعى إليها.. بأسلوب سهل وعميق “أسلوب السهل الممتنع”.. ومتنوع ومتجدد.
نال جائزة أفضل واعظ ومعلم للدين المسيحي التي قدمتها مؤسسة براوننج Browning الأمريكية لعام 1978، من أجل جهود قداسته الواضحة في نشر رسالة الإنجيل.
مدحوك فقالوا:
ياواعظ الدهور عن علم وتجربة كأنه الوحي تنزيلا وتوجيهًا
بالحقيقة يستحق أن يدعى عظيمًا:
“وأما من عمل وعلم، فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السموات”(مت19:5).
صور البابا شنوده
البابا الراعيالراعي الصالح – البابا شنوده
قال قداسته في بداية حبريته: “في هذه اللحظة الرهيبة، حين أرى نفسي ملتزمًا بالتقدم في هذا العمل الخطير، والقيام بهذه المسئولية الكبرى، أرجو أن أتلمس طريقي وطريقكم في آيتين:
الآية الأولى: أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني”(يو14:10)،
الآية الثانية: “لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا” (يو16:10)”
من أجل هذا كان قداسته يجول يصنع خيرًا ليرعى شعبه ويفتقده في كل مكان.
وكم من الاف الأميال قطعها، وكم من ألوف بل وملايين تقابل معهم في قرى ومدن وطننا الغالي مصر، وفي بلاد لم تر أحدًا من البابوات منذ قرون.
شارك قداسته شعبه أفراحهم فدشن لهم مذابح وكنائس عديدة، واستقبله أبناؤه بلافتات الترحيب وسعف النخيل في حشد ليس له مثيل وهم يترمون بألحان الفرح والتهليل.
قام قداسته بتكريس وعمل الميرون 8 مرات.. وأرسي الكثير من المبادئ الرعوية،
وقدم راعي الرعاة لا خوته وأبنائه الرعاة (الأسقف، الكاهن، الشماس، الخادم) نصائحه الرعوية.
شاركت السماء في أفراح الراعي والرعية بظواهر روحية عديدة منها:
ظهور السيدة العذراء في كنيسة الشهيدة دميانة ببابا دبلو بشبرا عام 1986،
وظهورها في أسيوط عام 1999، وظهورها في الوراق عام 2009،
هذا غلى جانب معجزة الزيت من أيقونة السيدة العذراء في بورسعيد، وكليفلاند بأمريكا.
سيامات البابا شنوده
البابا الكارز
البابا شنوده الثالث – Pope Shenouda
البابا شنوده الثالث – Pope Shenouda
ما أجمل أقدامك أيها البابا الكارز، المبشر بالسلام، المبشر بالخيرات.
حملت للذين اغتربوا عن وطنهم رسالة حب عامرة بالصلوات.
رأوك فاطمأنوا إنهم إن بعدوا لحظة، فهم في قلبك كل اللحظات.
منذ الشهور الأولى لجلوس قداسته على عرش مارمرقس، انطلق قداسته كسفير أمين وفي جهاد لا يلين يكرز ببشارة الإنجيل..
قام قداسته بعدد 104 رحلة العالم زار فيها 195 زيارة، وتباركت بها 38 دولة في قارات العالم الست.
مئات الألوف من أقباط المهجر فرحوا بقدومه ومن أجلهم قام بتدشين المذابح والكنائس وأسس العديد من الأديرة والكليات الإكليريكية والمدارس القبطية ومباني الخدمات وسام العديد من الأساقفة والكهنة والشمامسة.
عقد قداسته الكثير من السيمنارات والمؤتمرات مقدمًا نصائحه من أجل بناء الأسرة والاهتمام بالشباب والطفل ليتمسكوا بقيم كنيستهم الأم.
رحّب بقداسته الرؤساء وقدموا له الأوسمة وشهادات التقدير ومفاتيح المدن.
عقد قداسته العديد من المؤتمرات واللقاءات، شاركه فيها سفراء مصر، ورؤساء الكنائس الأخرى ورجال الدين الإسلامي،
فيها تحدث عن مصرنا الحبيبة وقضاياها واهتماماتها فكان بالحقيقة سفيرًا فوق العادة لبلادنا وكنيستنا.
ها أن حبة الخردل قد نمت، وصارت شجرة عظيمة وترعرعت.. ومن لا شيء صار كل شيء.
من أجل هذا ننحني أمامك أيها الكارز العملاق.
سجل زيارات البابا شنوده
البابا المسكونيالباباوالكنائس – البابا شنوده
امتدت كرازة البابا شنوده من مصر إلى أقصي المسكونة، لذا فهو شخصية مسكونية عالمية تجاوزت حدود الزمان والمكان..
كانت زياراته المسكونية سببًا رئيسيًا في حل مشاكل كثيرة، كانت في القرون الماضية حجر عثر في طريق الوحدة المسكونية، وبدأ قداسته عهدًا جديدًا من الحوار والتآخي بين كنيستنا وكنائس المسكونة.
وفي هذا يقول قداسته: “اول سياسة سارت عليها الكنيسة في هذه الأيام لتواكب العصر هي: “سياسة الانفتاح على الجميع”.
صارت كنيستنا القبطية الأرثوذكسية عضوًا في كثير من المجالس المسكونية مثل مجلس الكنائس العالمي W.C.C.، ومجلس كنائس الشرف الأوسط M.E.C.C.،
وفي عام 1991 اختير قداسته رئيسًا لمجلس الكنائس العالمي عن الأرثوذكس الشرقيين، وذلك تقديرًا لمكانته كلاهوتي قدير.
صار قداسته أحد رؤساء مجلس كنائس الشرق الأوسط في 3 دورات متتالية ابتداء من عام 1994، كما صارت كنيستنا عضوًا مؤسسًا في مجلس كنائس كل أفريقيا A.A.C.C.،
وفي عام 1976 ألقى قداسته كلمة الافتتاح بهذا المجلس تدعيمًا للعمل المسكوني والوطني مع كنائس أفريقيا.
أسس قداسته علاقات قوية مع مجالس الكنائس في أمريكا وكندا وأستراليا وأروبا.
امتازت العلاقة بين قداسته ورؤساء الكنائس بلقاءات المحبة والصداقة.
البابا الوطني
منذ سنوات شبابه الأولى، تمتع الشاب “نظير جيد” بالحس الوطني المرهف، وأنشد نشيدًا “تريد الكنانة عزمًا قويًا…”
التحق بكلية الضباط الاحتياط، وكان أول الخريجين عام 1947. المجيدة، وحيا قائد العبور وجيشنا الباسل الذي اشترك فيه المسيحيون والمسلمون بدم واحد، وهو دم مصر.
حمل قداسته هموم وطنه وشارك في العديد من القضايا الوطنية، وفي الحوارات الإسلامية المسيحية، وكانت له علاقة طيبة مع الأزهر الشريف ورجال الدين الإسلامي.
أيضًا كان لقداسته دور بارز في قضية القدس والحقوق المشروعة لشعب فلسطين.
في مخيم اليرموك بدمشق، أسُتقِبَل استقبالًا شعبيًا حافلًا، وأطلقوا عليه لقب “بابا العرب”.
قال عنه الحكماء أنه:
“صمام الأمان، ولرمانة الميزان.. شعاره السائد هو السلام”.
“علامة فارقة، وذو مكانة بارزة، وموهبة كارزمية نادرة، وخبرة طويلة مثمرة”.
تغنى في حب وطنه بمقولته الرائعة:
“مصر ليست وطنًا نعيش فيه.. بل وطنًا يعيش فينا” وأنشد قصيدته: “في حبك يا مصر”.
البابا الإنسان
لا يستطيع أحد أن يحصى اللمسات الإنسانية العديدة التي كان يقدمها قداسة البابا شنوده في حب عجيب واهتمام فريد.
أحب الجميع.. كل البشر.. صديقًا أو عدوًا.. بارًا أو خاطئاً.. وفي هذا يقول:
“إن البار نحبه لأنه قدوة صالحة، والخاطئ نحبه ونصلي من أجله، لينفذه الرب من أخطائه ويقوده للخير.. ولأن محبتنا للناس تصل بنا إلى محبة الله..”.
لم تَر عيناه أمه.. لم تقّبِله أو تهدهده.. هكذا كانت طفولته، وعندما كبر قليلًا، ولأنه ذاق مشاعر اليتم منذ طفولته، كان رقيق القلب جدًا مع الذين حُرِموا من حنان الوالدين..
وكان أكثر من كريم مع الولد اليتيم.. وتجَّلي هذا عندمَا كان مديرًا لبيت مدارس الأحد بشبرا.
وفي حنان أرسل البابا الإنسان تحية للام في عيدها قائلًا:
“تحية لهذه الإنسانة التي تفيض على البيت جمالًا، وأناقة، ونظافة، ووجدانه رحيل الكثير من الآباء والأبناء الأحباء، وإذ يقف أمامهم مصليًا عنهم، تغلبه دموعه عن الاستمرار في الحديث.
في أبوة صادقة كثيرًا ما كان يردد هذا القول الرائع: “أنا أب.. ولن يفصلني أحد عن أبنائي”.
وما أكثر مشاعره الحانية وقلبه البشوش المرح في لقائه مع أحبائه الأطفال الصغار؛ إذ يسرع بتقديم الهدايا لهم.. وفي حنان يضم الصغير إلى حضنه الكبير.
البابا الشاعر
منذ أكثر من سبعين عامًا، وقداسة البابا شنوده يمّتع الملاييٍن من محبى الشعر، وغاص قداسته في بخور الشعر فأخرج لنا منها دررًا: ألحانا، وأنغامًا تفيض علينا قداسة وبرًا.
بدأت التجربة الشعرية عند قداسته مبكرًا، صقلها في عام 1939 بدراسة قواعد الشعر، بعدما عثر على كتاب “نظير” في أوزانه وأشعاره على البحور الصافية مثل: (الكامل ـــــ الرمل ـــــ الوافر ــــ الهزج ــــ البسيط) في تناغم رائع وحسن إبداع، وجمال إيقاع!! وهكذا كان من السهل تلحين قصائده، وإنشادها.
تميز الطالب “نظير جيد” بالشعر الضاحك؛ فألف قصائد كثيرة منها: (العميد ــــ حاجة غريبة ــــ يامن ستتركنا).
في عام 1946 وما يليه، اتخذ الشعر عنده مجالًا دينيًا فكتب قصائد عديدة منها:
(ذلك الثوب ــــ أبواب الجحيم ــــ أبطال ــــ هذه الكرمة ــــ وماذا بعد هذا ـــــ الأمومة ــــ من ألحان باراباس ــــ قم ــــ أغلق الباب وحاجج ــــ همسة حب ــــ وأب أنت ــــ سائح ــــ آدم وحواء..).
ومع توالي الايام وتتابع السنين، لم ينضب نبع شعره فكتب أيضًا ــــ بدءًا من عام 2007 ــــ قصائد منها: (ما حياتي كيف صرت ــــ يا إلهي ـــ حُرمت الجبال ــــ أُحبِك يا رب ــــ إن للكون إلهًا ــــ حنانك يا رب ــــ إن جاع عدوك أطعمه…).
بعض من أشعار البابا شنوده
البابا الحكيم
رغم بساطة بابانا الحبيب وطيبة قلبه ووداعته، فإن الحكمة كانت تغلف كل هذه الفاضل،
إنه يمكننا بحق أن نلقب قداسته بالبابا ذو العينين المفتوحتين، فهو لا تبهره الأمور في مظهرها، بل يفحص بحكمة جوهرها..
كان يتميز قداسته بملامح مشرقة تكشف عن الموهبة التي أعطاها الله له نذكر منهًا:
إذا عالج قداسته موضوعًا أو مشكلة، فإنه يتناولها بطريقة موضوعية عجيبة ناظرًا إلى الجوهر لا المظهر..
إلى الجذور العميقة لا الأوراق المرئية. كم من انفعالات طرحت أمام قداسته، وهو بأسلوبه الهادئ الرصين يطفئ لهيب الموقف ليبقى الحق خالصًا وحده.
كان من أهم ملامح بابانا الحكيم من صفاته البارزة: الصبر.. يلقى الشبك أو الصنارة، وربما ينتظر طويلًا، ولكنه لا يمل هكذا أيضًا صيد الناس.
“رابح النفوس حكيم في الوسيلة التي يستخدمها للوصول إلى النتيجة التي يريدها”.
مثلما كان قداسته حكيمًا في كلامه.. كان حكيمًا أيضًا في صمته.. يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، فهو لا يصمت حين يجب الكلام، ولا يتكلم حين يفضل الصمت..
فحينما يتكلم لابد أن يشعر بأن كل كلمة لها رسالة وهدف، متذكرًا
قول سليمان الحكيم: “تفاح من ذهب في مصوغ من فضة.. كلمة مقولة في محلها”(أم25:11).
البابا الكاتب
خلال أكثر من سبعين عامًا، أنار قداسته عيون قلوبنا وأذهاننا بكتاباته التي سطرها منذ شبابه المبكر واستمرت سنوات يزداد لمعانها وقوتها، في روحانية صادقة وإيجابية فارقة، وموضوعية هادئة وواقعية هادفة..
تجمع بين البساطة والعمق والدقة والاتزان، يفهمها القارئ البسيط والعالم الكبير.
في ديسمبر 1947 قامت “مجلة الحق” التي كان يصدرها القمص يوسف الديرى كاهن شبرا البلد، وهو أب اعتراف الخادم “نظير جيد “بنشر مقالاته بعنوان” أخطأ إلى الرب”، وهي تتحدث عن سر الاعتراف.
كتب قصته الأولى “حدث في تلك الليلة” ونُشرت في مجلة مدارس الأحد في مايو 1948..
ثم بدأ يكتب العديد من المقالات الروحية والإيمانية والشبابية والكنسية، وهي تتضمن الكثير من التوجيهات والنصائح والتدريب الروحية.
كان كتاب انطلاق الروح باكورة كتبه، ونشرت مجلة “مدارس الأحد” بعضًا من فصوله بدءًا من عام 1948.
بدأ الكتابة في مجلة الكرازة، التي رأس تحريرها، بمقاله الرائع: “بدلًا من أن تلعنوا الظلام.. أضيئوا شمعة”، وذلك في العدد الأول يناير 1965.
كتب قصته الثانية” أبونا أنسطاسي” ونشرها في مجلة الكرازة عام 1965.
ثم توالت كتاباته التي بلغت حوالي 150 كتابًا ونبذة في مختلف المجالات: الروحية ـــ واللاهوتية ــــ والعقيدية ــــ والكتابية ــــ والتاريخية ــــ والاجتماعية..
والتي تميزت بسهولة التعبير، وعمق المعنى، ونقاء التعليم، والمبادئ الروحية السامية.
البابا العطاء
تميز قداسة البابا شنوده بفضيلة العطاء.. عطاء للكبير والصغير، للغني والفقير.. للحكيم والبسيط.. عطاء بلا حدود.. عطاء يزكينا إلى الملكوت.
وعلى الرغم من مشاغل قداسته الكثيرة، حرص على رئاسته للجنة البر، التي تنعقد في المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأنبا رويس أسبوعيَّا صباح كل يوم خميس،
وأيضًا صباح كل يوم أحد بالإسكندرية (كل أسبوعين)،
وفي كرم وسخاء يقدم قداسته للأسرة المسورة كل ما تحتاجه وتطلبه، بل وأكثر مما تطلبه، بعدها يبادرها بالسؤال في حنان أبوي: “هل تحتاجون إلى شيء آخر.. هل ينقصكم شيء؟!”
وهذا بعض من بركات العطاء كما رأيناها وسمعناها في لجنة البر:
– قولي ما تتكسفيش: هكذا يشجع قداسته العروسة لتستكمل احتياجاتها
– فيه حد يتسلف من أبوه: كانت هذه إجابته للابنة التي طلبت قرضًا منه.
– محتاجة لفيتامينات: إذ رأى قداسته سيدة يبدو عليها الضعف الشديد، أسرع وطلب إحضار علبة فيتامينات من قلايته.
– عصا الكفيف: أحضرها سيدنا عندما جاءه رجل كفيف، وفك غلافها، أسرع وطلب أجزاءها وقدمها له في أبوة حانية.
– أريد صلواتكم: ذات مرة سألنا سيدنا: أنا عارف إنه مكتوب في الخولاجي صلوات من لأجل البطريرك..
ولكن أنا باسألكم انتو بتصلوا من أجلي؟.. حقيقي أنا محتاج لصلواتكم!! وتنتهي لقاءات المحبة هذه بدعوات قلبية، وزغرودة حلوة مدوية..
الوادع الأسطوري
في عيد الميلاد 7 يناير 2012 شعر الكثيرون بأنهم قد لا يرون قداسته ثانية بالجسد، فكانت تحية الوادع الأخير، وكانت عظة الأربعاء 7 مارس 2012 هي عظة الوداع الأخير.