مر أكثر من عام على حج البابا فرنسيس المسكوني إلى السودان”جنوب السودان الذي مزقته الحرب في شهر شباط فبراير من العام الماضي. وبعد سنوات من الصدمة، لا تزال عملية التئام الجراح والمصالحة جارية في البلد الفتي، وفي هذه العملية يلعب رجال الدين، لاسيما الرهبان والراهبات، دوراً مهماً من خلال المساعدة في تضميد الجراح العميقة الناجمة عن العنف.
السودان”جنوب السودان دولة فتية جدا، أبصرت النور بعد عقود من الحرب الأهلية. ولدى التوقيع على معاهدة السلام في كانون الثاني يناير 2005، كانت الحرب قد خلفت حوالي خمسة ملايين نازح
داخليا فضلا عن مليونين ونصف مليون قتيل، ناهيك عن انعدام الثقة العميق بين الجماعات العرقية المتقاتلة فيما بينها. في شهر كانون الثاني يناير 2011، تم إجراء الاستفتاء التاريخي على
استقلال الجنوب، على الرغم من التحديات المتزايدة. ولكن عندما ولدت جمهورية السودان”جنوب السودان في التاسع من تموز يوليو في ذلك العام كانت جراح عدم الثقة والخوف بعيدة عن أن تلتئم.
منذ العام 2010 يعمل المعهد الكاثوليكي للتدريب الصحي” المعهد الكاثوليكي للتدريب الصحي في محلة “واو” على تعزيز الحوار بين الثقافات ومساعدة الطلاب على التغلب على الأحكام المسبقة العميقة الجذور. تم إطلاق هذا
المعهد بفضل مشروع بعنوان “التضامن مع السودان”جنوب السودان”، وهو مشروع مشترك بين الرهبان والراهبات الذين طوروا تدريبا داخليا للمعلمين والممرضات، مع التركيز على الأمن الغذائي والتدريب الرعوي ورعاية الصدمات.
الراهبة بريجيدا مانيوركا، وهي مرسلة فرنسيسكانية لمريم البولندية، تعمل في المعهد الكاثوليكي للتدريب الصحي” المعهد الكاثوليكي للتدريب الصحي منذ شباط فبراير 2022. وقالت في حديث
لموقعنا الإلكتروني إن “الطلاب يأتون من قبائل ودول وأديان مختلفة ويتحدثون لغات مختلفة”، موضحة أن المعهد يؤكد باستمرار على احترام جميع الثقافات وعيش التسامح حيال ما هو مختلف.
وأضافت أنه “بمساعدة الأنشطة والتمارين من مختلف الأنواع، نحن قادرون على إقامة روابط الصداقة وتعزيز السلام والوحدة”، لافتة إلى أن الطلاب يتعلمون أيضا “فن بناء العلاقات والعمل معا”.
وتقول الأخت مانيوركا إن مرافقة الطلاب في طريق نموهم تتطلب ساعات طويلة من الحوار، مشيرة إلى الفرح الذي تشعر به عندما ترى مدى تغيّرهم بعد ثلاث سنوات. تقول الأخت بريجيدا: “إن فرحتنا تزداد عندما نتلقى الثناء من المجتمعات الأصلية لهؤلاء الشباب ومن المؤسسات التي يعملون فيها”.
من بين الراهبات الناشطات في مجال إعادة التأهيل الأخت فيلومينا فرنسيس التي تعتني بالنساء اللواتي يعانين من صدمة ويُطلقون عليها اسم “الأخت بخيتة” وقد عاشت في العاصمة السودانية، الخرطوم
حيث كان يتواجد هناك حوالي خمسة ملايين نازح من السودان”جنوب السودان ينتظرون الوصول إلى مصر. وقبل مغادرتها إلى بابوا غينيا الجديدة في العام 1995، تمكنت الأخت فيلومينا من زيارة عائلتها فيما
يعرف الآن ب السودان”جنوب السودان. في ذلك الوقت، تم غزو المنطقة من قبل الجيش الشعبي لتحرير السودان، غير أنه بحلول العام 1999 أدى العنف والاعتداءات الجنسية التي مارسها الجنود إلى جعل حياتهم بائسة.
وقد حدثتنا الراهبة عن الصدمة التي أصيبت بها قائلة: “دفعتني صدمتي الشخصية، التي تعرضت لها عندما كنت طفلة، إلى بدء هذا المشروع. الألم والخسائر التي ما زلت أتذكرها أنا
وعائلتي تمنحني القوة للعمل في هذا البرنامج”. وقالت، الأخت فيلومينا فرنسيس في ختام حديثها لموقع فاتيكان نيوز الإلكتروني: “أنا مقتنعة بأن اتباع نهج شامل للشفاء من
الصدمات في السودان”جنوب السودان يمكن أن يؤدي إلى سلام مستدام ويمكن أن ينقذ حياة العديد من النساء والفتيات وحتى الشباب الذين تعرضوا للاغتصاب لمعاقبتهم على انتمائهم العرقي.