• سكان العقار المجاور: شققنا التهمتها نيران لوكيشن المعلم.. فقدنا كل شيء وأصبحنا بلا مأوى
دقت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة رمضانية، جلست الصحفية الشابة دنيا كعادتها لمشاهدة مقتطفات من مسلسلات الشهر الكريم مع تناولها وجبة السحور، وبين الدراما والواقع انتفضت الفتاة أمام مشهد “أكشن انقلب إلى رعب” في ستديو التصوير الدرامي الشهير المجاور لسكنها.
شرارة نيران رأتها دنيا تندلع من عمود خشب في ستديو الأهرام بمنطقة العمرانية بالجيزة، وفي لحظات تأمل وذهول تسأل الفتاة نفسها: “هل هذا حقيقي بالفعل، أم مشهد تمثيل؟”.. لحظات أخرى تكفلت بعودة الفتاة لواقعها الحقيقي، فهرولت سريعا إلى الاستديو تدق أبوابه، وتنادي بأعلى صوتها: “افتحوا الباب في حريقة جوه”.
تجمع الأهالي حول الفتاة وصارت عشرات الأيادي تدق على الباب في محاولة للتنبيه ولإخماد النيران في مهدها، فالجميع يعلم جيدًا ماذا ستفعل شرارة النيران في مبنى قوامه الخشب.
يقول الأهالي: “لم يكن هناك أحد في الاستديو، ففريق تصوير مسلسل المعلم قد غادر قبل اندلاع الحريق بأقل من ساعة.. كنا نأمل في وجود أمن أو خفير يجيبنا، لكن لم يحدث ذلك”.
صعدت دنيا، الصحفية بجريدة الشروق، مسرعة لالتقاط هاتفها الذي تركته في شقتها لإبلاغ النجدة والمطافي، لكن دقائق معدودة كانت كافية لتصاعد النيران في ستديو أنشيء من السقالات الخشب، لتطول العقارات المجاورة له.
عقارب الساعة والنار ضد مقدرات البشر:
لم يُسعف الوقت أهالي العقار المجاور تماما للاستديو، فنيرانه اقتربت بشدة حتى وصلت إلى البلكونات ومنها إلى داخل الشقق.
فكرت دنيا في أمر واحد فقط وهو إطفاء الغاز والخروج من شقتها في الدور الأول بعد الأرضي، ومن ورائها سكان باقي الشقق في الأدوار الأعلى.
وقف أهالي العقار في الشارع بعيون تملؤها الحسرة والأمل وأيادي مرفوعة لرب السماء، قائلين: “رأينا النيران تلتهم الحوائط، وبالنا في مصير محتويات الشقق.. كان لدينا أمل انتهى بحسرة”.
مع طلوع النهار بدأت قوات الحماية المدنية السيطرة على الحريق الذي امتد إلى 6 عقارات مجاورة للاستديو.
كان القدر لطيفا بالأرواح فقط، أما المأوى والممتلكات فقد التهمتها النيران تماما.
أصبح الاستديو رمادا منثورا على الأرض، واختفت معالمه تمامًا.
مشهد لم يختلف كثيرًا في العقار الأول المجاور له المكون من 8 أدوار، يقول الأهالي: “صعدنا للبحث عن أي ممتلكات لم تطلها النيران، فوجدنا محتويات جميع الشقق قد حُرقت بالكامل، ولم يتبق منها سوى الجدران التي كستها آثار الحريق”.
تضيف دنيا يونس: “ليس عفش الشقة فقط، فأدوات عملي وجهاز زواجي التهمته النيران، وشبكتي الذهب انصهرت، كحال باقي السكان الذين فقدوا مدخراتهم بالإضافة إلى العفش”.
خطر الاستديو الخشب لم يكن بعيدًا عن بال سكان المنطقة، تحدث أحد الأهالي قائلا: “اشتكينا مرارا وتكرارا من تراكم القمامة في الاستديو، وكذلك من الازعاج الدائم الذي يسببه بناء وتغير ديكورات التصوير طول الوقت”.
آلام الأهالي تتفاقم رغم وعود المسئولين:
بعد توجه المسئولين في الصباح لمعاينة مكان الحريق، زادت آلام الأهالي، يقولون: “رأينا المسئولين يعاينون المسرح الذي تساوى بالأرض، ولم ينظر أحد إلى ما أصابنا من ضرر كبير.. فالضرر محصور لديهم في وقوع وفيات أو إصابات فقط.. وليس أمامنا سوى رفع دعاوى أمام القضاء للحصول على حقوقنا”.
في الساعات التالية توجه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إلى موقع الحريق لمتابعة جهود السيطرة على الحريق، والوقوف على حجم الخسائر، والعمل على سرعة صرف التعويضات.
رئيس الوزراء وجه بأهمية الاطمئنان على السلامة الإنشائية للمبانى، وتشكيل لجنة عاجلة فورية مكونة من شركات المقاولات المعتمدة من محافظة الجيزة، للوقوف على حجم الضرر وإعداد مقايسات هندسية تضمن الوقت اللازم وتكلفة إعادة المباني لأصلها قبل الحريق.
كما وجه بمنح مبلغ 15 ألف جنيه كدفعة للأهالي المتضررة منازلهم كقيمة إيجارية لعدة شهور قادمة، بما يعادل القيمة الإيجارية في المنطقة التي يعيشون فيها، وذلك لحين تأهيل المباني وإعادتها لوضعها الأصلي.
كما وجه رئيس الوزراء السجل المدني بإصدار بطاقات رقم قومي بديلة لمن فقدها في الحريق، والمتابعة الدورية من المسئولين للموقع التنفيذي على الأرض.
أنهى الأهالي حديثهم لـ”الشروق” وهم يفترشون بالشارع: “فقدنا كل شيء في حياتنا، أصبحنا في الشارع، أليست هذه مأساة وضرر كبير في نظر المسئولين.. من يشعر بحالنا الآن؟.. ليتنا كنا داخل الشقق. خسرنا كل شيء”.