من لطائفِ الشعب المصرى خفيف الظل أن العمال سوف يتلقّون التهنئة فى عيدهم مرتين هذا العام لا مرةً واحدة؛ وهم بالقطع يستحقون التحيةَ بعدد أيام السنة، لأن جهدَهم صخرةٌ نتكئ عليها. لكن المفارقة أن عمالَ مصر
تلقّوا التهنئة فى عيد العمال الأمس 1 مايو، وسوف يتلقون تهنئةً أخرى يوم الأحد 5 مايو، الموافق لـعيد القيامة المجيد، وهو العيدُ الكبير لدى أشقائنا المسيحيين، كل عام وهم فى أوج الأمان والفرح والمحبة والسلام.
الحكايةُ أن دولة رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولى أقرَّ حزمة الإجازات الرسمية للأيام القادمة ومنها: الأحد 5 مايو بمناسبة عيد العمال، بدلًا من أول مايو! الجميلُ
فى الأمر هو ضمانة عدم وجود امتحانات أثناء عيد الأشقاء المسيحيين؛ مثلما يحدث أحيانًا للأسف! لكن سوشيال ميديا ضجّت بكوميديا التقاء العيدين! وانتشرت لطائفُ
النِكات، من شعب جميل يجيدُ تحويل المشاكل إلى ضحكة وفرصة للترويح عن القلب بالابتسام. راح المسلمون يهنئون أشقاءهم المسيحيين قائلين: عيد قيامة مجيد… بمناسبة عيد العمال!
وهنا أتوقف لأحكى شهادتين فى غاية الأهمية. أولاهما شهادةٌ تاريخية يعلمُها معظمُ الناس لذيوعها فى الإعلام على لسان المثقف المحترم د. مصطفى الفقى، والثانية شهادةُ حقّ أمام الله كنتُ أنا شاهدةَ عيان على وقائعها عام 2014 فى عهد حكومة المهندس المحترم إبراهيم محلب، وكان د. مصطفى مدبولى آنذاك وزيرًا للإسكان والمرافق.
الواقعة الأولى: صرّح بها السياسى الكبير د. مصطفى الفقى: أن الرئيس حسنى مبارك، فى حديث خاص له مع البابا شنودة، رحمهما اللهُ، أخبره أنه بصدد تدشين عيدى: الميلاد والقيامة إجازتين رسميتين فى الدولة،
أسوةً بإجازاتى عيدى الفطر والأضحى. لكن قداسة البابا شنودة ردّ بحكمته المعهودة قائلًا: (المسلمون والمسيحيون متفقون على ميلاد السيد المسيح، لهذا يحقُّ لنا جميعًا الاحتفال بميلاده، لكنهم يختلفون
بشأن القيامة، لهذا لا يحق فرض عيد على المسلمين هم غير مقتنعين به، لئلا نفتح بابًا للفتن نحن فى غنى عنه). وأعلن يوم 7 يناير إجازة رسمية سنوية فى مصر عام 2003 بقرار محترم من الرئيس مبارك، وكانت سماءُ
مصرَ آنذاك مُلبدةً بغيوم التطرف، على عكس اللحظة الراهنة الطيبة التى نحياها اليوم فى عهد رئيس وطنى متحضر بدأ حُكمَه بزيارة الكاتدرائية يوم 6 يناير 2015 لتقديم التهنئة للبابا والشعب المسيحى؛ وصارت
سُنّة طيبة لم يقطعها الرئيس السيسى أبدًا. واللحظةُ الآن مواتية لمكافأة مسيحيى مصرَ الشرفاء المشهودِ لهم بالوطنية فى جميع ما مرّ بهم من صروف الطائفية والإرهاب، بإعلان عيد القيامة إجازة رسمية؛
ليكون لمصر أربعةُ أعياد: نصفُها للمسلمين ونصفُها للمسيحيين، لأن كليهما أبناءُ مصرَ التى لا تُفرِّقُ بين بنيها. هكذا تفعل الدولُ المتحضرة مع أبنائها، ومصرُ أمُّ الحضارة. فاحترام حقّ المواطنة ليس
له علاقة بالإيمان العَقَدى، إنما هى حقوقٌ مدنية يكفلها الدستور. فدول الغرب المسيحى تُنشئ المساجدَ رغم أن شعوبها فى مجملهم مسيحيون، احترامًا لحقوق الجاليات المسلمة فى بلادها. فقط لأن احترام عقائد
الآخرين هو جوهر التحضر والمواطنة. ومصرُ اليومَ يليقُ بها تجسيد روح المواطنة على النحو الكامل، كما يليق بسَمتها التعددى منذ بدء التاريخ، وكما يليق بلحظة المواطنة المشرقة التى نحياها الآن فى الجمهورية الجديدة.
الواقعة الثانية: كنتُ شاهدةً عليها بنفسى، إذ كتبتُ مقالًا فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ 23 يونيو 2014 عنوانه: سوديك بين جامع وكنيسة رفعتُ فيه إلى دولة رئيس الوزراء آنذاك مهندس
إبراهيم محلب مظلمةَ سكّان مدينة بيڤرلى هيلز بحى الشيخ زايد، ضدّ الشركة المالكة التى لم تلتزم بالعقود التى أبرمتها معهم عام 1998، فشيدت المساجدَ، وتخاذلت عن بناء الكنيسة كما فى
كراسة الشروط! ومن فوره اتصل المهندس إبراهيم محلب بوزير الإسكان آنذاك الدكتور مصطفى مدبولى، الذى زرتُه فى مكتبه بوزارة الإسكان وصدّق أمامى على قرار تشييد الكنيسة، وبالفعل
شُيّدت واحدةٌ من أجمل كنائس مصر. ولا أنسى مهاتفة المهندس محلب ليبلغنى ببدء تشييد الكنيسة قائلًا: الحق عاد لأهله، ولم تعد لتلك الممارسات العنصرية مكانٌ فى مصر الراهنة. هذه
شهادةُ حقّ أقولُها أمام الله فى حق رجلين وطنيين، هما: المهندس محلب والمهندس مدبولى، الذى نشكره على عدم تخفيف أحمال الكهرباء طوال أيام عيد القيامة المجيد، وكل عام وأشقاؤنا المسيحيون بألف خير.
ومن نُثار خواطرى:
■ ■ ■
(محرابٌ ومذبح)
أيها الابنُ الطيبُ
إحملْ صولجانَ الحكم
وارتقِ عرشَ بيتى
وعلّمِ الرعيةَ
كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ
وكيف تتناغمُ المئذنةُ
مع رنينِ الأجراسْ
وارشدْ خُطاهم
حتى يتبعوا النَجمَ
الذى يدلُّهم على الطريق
إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين