تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس في مصر بحلول مناسبة سبت الأموات، وعلى خلفية الاحتفالات قال الأنبا نيقولا أنطونيو متحدث الكنيسة إن الكنيسة الأرثوذكسية تشير في صلواتها إلى الموت كـ”رقاد”، لأنها تؤمن “بالوجود
الشخصيّ بعد الموت”. وهي ترجو لجميع الراقدين النهوض (القيامة من بين الأموات) عندما يبزغ النهار”الذي لا يعروه مساء”، وفي ما تَذْكُرهم في كل ذبيحة إلهية تتضرع إلى الله الآب أن يرحمهم: “حيث يُفتقد نورُ وجهه”.
فنحن نصلّي للآخر الذي نحبّه ونحن وإيّاه أعضاء في جسد المسيح الواحد، وهذا يتجلّى بشكل رائع في الحياة الليتورجية في ما أَسْمَتْهُ الكنيسة الارثوذكسية بـ”شركة القديسين”، حيث الكنيسة جمعاء تصلّي، وليس فقط الأحياء.
الأب ألكسندر شميمَن في كتابه “الصوم الكبير” يركّز على السبب الذي تدعو الكنيسة فيه أعضاءها إلى الصلاة من أجل الراقدين بقوله: “هي تعبير جوهريّ عن الكنيسة كمحبة”، ويتابع قوله:
“أننا نطلب من الله أن يذكر الذين نذكرهم، ونحن نذكرهم لأننا نحبّهم. وإذ نصلّي من أجلهم فنحن نلقاهم في المسيح الذي هو محبة، والذي بما أنه محبة يغلب الموت الذي هو ذروة الانفصال
واللا محبة. في المسيح لا فرق بين الأحياء والأموات لأن الجميع هم أحياء فيه. إنه الحياة وهذه الحياة هي نور الناس. وإذ نحب المسيح نحب جميع الذين فيه، وإذ نحب الذين فيه فنحن نحب المسيح”.
في إحدى عظاته يقول فيلاريت متروبوليت موسكو(القرن التاسع عشر): “الصلاة من أجل الراقدين جارية في الكنيسة منذ القدم، منذ أن مورسَتِ العبادة علنًا… وهي مفروضة فيها كجزء كان دائما متمِّما لها. وكلّ الخدم القديمة للقداس الإلهي تشهد بذلك، ابتداء من قدّاس يعقوب أخي الرب…”، ويؤكد، في ختم قوله: “أن الصلاة من أجل الراقدين كانت من التقاليد الرسولية”.
القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس غريغوريوس اللاهوتي والقديس كيرلّس الأورشليم (وغيرهم)، يذكرون أن الكنيسة الارثوذكسية تصلّي من أجل المؤمنين الراقدين وتعتبر أن الصلاة
تساعدهم. ما لا شك فيه أن صلاتنا من أجل أحبائنا الراقدين ليست هي تدخُّلا بقرار الله وقضائه الأخير، “فنحن نؤمن بأن حكمته الأزلية ليس للإنسان مهما علَتْ قداستُهُ أن يخترقها،
وإنما أن خضع لها”. غير أن المسيحية لكونها ديانةَ المحبة، ونحن جميعا أعضاء في جسد المسيح الحيّ الذي لا يستطيع الموت ولا أي شيء آخر أن يُبطل عضويتنا فيه؛ فالصلاة التي هي لغة
الحبّ، أولاً وآخرًا، هي التعبير الأمثل على أن “المحبة أقوى من الموت”، وأننا فيها نتمم الغلبة الأخيرة، لأن الموت المهزوم بات وراءنا، وليس أمامنا سوى الكنيسة الحيّة الأخيرة التي نحن فيها منذ الآن.
الآباء القدّيسون صوّروا الحياة بعد الموت وكأنها فترة يخلع فيها تدريجيًا جميع الذين أدركوا أن كل شيء قد أُكمل لأجلهم كلَّ خِرَقِهم البالية في طريقهم إلى ملء استعلان القيامة.