الوجود المسيحى فى الأراضى الفلسطينية أقدم التجمعات المسيحية فى العالم، حيث انطلقت الرسالة المسيحية من هذه الأرض، ومع ذلك فإن المسيحيين فى الضفة الغربية، وفى القدس، يواجهون تحديات وجودية كبيرة نتيجة للاستهداف المستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وتصاعدت خلال الأشهر الأخيرة حملات الاستهداف الممنهج للتجمعات المسيحية، تزامنا مع تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلى من عملياتها العسكرية فى الضفة الغربية منذ بداية الحرب على غزة فى أكتوبر الماضي، ما أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين واعتقال الآلاف، وقد زادت هذه الاعتداءات على المدن الفلسطينية بشكل ملحوظ، حيث تم توجيه معظم الغارات نحو مخيمات اللاجئين مثل جنين ونور شمس.
استهداف ممنهج
وساهمت حملات الاستهداف الممنهج للتجمعات المسيحية فى تدهور الوضع الاقتصادى والاجتماعى والدينى لهذه الفئة، مع ارتفاع وتيرة الهجرة إلى الخارج بحثا عن حياة أفضل وأكثر استقرارا.
وتشير التقارير إلى أن الوجود المسيحى فى الضفة الغربية يعانى من تحديات كبيرة، خاصة مع استمرار ممارسات الاحتلال التى تؤدى إلى تدهور الوضع المعيشى والاقتصادي، مما يعزز رغبة المسيحيين فى الهجرة، ووفقا للإحصائيات تراجعت نسبة المسيحيين بشكل ملحوظ منذ نكبة 1948، نتيجة لسياسات الاحتلال التى تسببت فى مصادرة الأراضى وهدم المنازل والتمييز العنصري، مما أدى إلى تزايد الهجرة من هذه المناطق.
التقديرات تشير إلى أن نسبة المسيحيين فى الأراضى الفلسطينية لا تتجاوز 1% من إجمالى السكان، بعد أن كانت نسبتهم تقدر بحوالى 11.2% قبل نكبة 1948، وفى القدس على سبيل المثال، تراجعت أعداد المسيحيين بشكل ملحوظ، حيث
أصبح عددهم اليوم حوالى 4000 شخص فقط بعد أن كان يبلغ 27 ألفا فى عام 1947، هذا التراجع يعزى إلى عوامل متعددة، منها الاحتلال الإسرائيلى وسياساته التى تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار والحياة اليومية للمجتمع المسيحي.
أسباب الرحيل
ولعل أحد أبرز أسباب الهجرة المتزايدة بين المسيحيين هو الضغط السياسى والاقتصادى الناتج عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى سياسات مصادرة الأراضي، والتمييز فى الحقوق، والاعتداءات المستمرة على
الممتلكات الدينية، كلها عوامل دفعت الكثير من المسيحيين الفلسطينيين إلى الهجرة. وفقا لدراسة أجرتها جامعة دار الكلمة فى بيت جالا، فإن الاحتلال الإسرائيلى هو العامل الأكبر الذى يدفع المسيحيين إلى مغادرة وطنهم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك انخفاض فى معدلات النمو السكانى بين المسيحيين نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدل البطالة، حيث أصبح من الصعب على الشباب المسيحيين تأسيس حياة مستقرة فى ظل هذه الظروف.
فى حين تعرضت العديد من الكنائس والممتلكات المسيحية فى القدس والضفة الغربية لاعتداءات متكررة من قبل المستوطنين الإسرائيليين والجماعات المتطرفة، ففى القدس أشار رجال الدين المسيحيين إلى الاعتداءات اليومية التى يتعرضون لها، مثل البصق والتخريب أثناء مواكبهم الدينية، فى ظل تجاهل السلطات الإسرائيلية لهذه الجرائم.
ووفقا للإحصائيات المتوفرة فى عام 2023، تم تسجيل أكثر من 32 اعتداء على الكنائس والمقابر المسيحية فى الضفة الغربية والقدس من قبل مستوطنين وجماعات متطرفة، وتُظهر هذه الحوادث تصعيدا خطيرا فى مستوى العنف تجاه التواجد المسيحى الذى يسعى المستوطنون لتقليصه إلى أقصى حد.
إضافة إلى ذلك، فإن ممارسات الاحتلال التى تشمل مصادرة الأراضى وهدم المنازل أثرت بشكل كبير على البنية التحتية للمجتمع المسيحى فى الضفة الغربية، ففى بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح، تراجعت نسبة المسيحيين من 84% فى عام 1922 إلى 28% فى عام 2007، وهو مؤشر واضح على الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى يواجهها المسيحيون هناك.
صعود اليمين المتطرف
وفقًا للبطاركة ورؤساء الكنائس فى القدس، فإن الجماعات اليهودية المتطرفة تسعى لتقليص الوجود المسيحى فى المدينة المقدسة، وهذه الجماعات لا تمثل الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، لكن غياب الردع القانونى والعقاب عن مثل هذه الاعتداءات
يزيد من شعور المسيحيين بالتهديد، ويشجع تلك الجماعات على الاستمرار فى استهداف المجتمع المسيحي، كما أن صعود اليمين المتطرف فى السياسة الإسرائيلية أسهم فى تصاعد هذه الاعتداءات، حيث يشعر المتطرفون اليهود بأنهم محميون من قبل السلطات.
وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، تسعى الكنائس والمؤسسات المسيحية إلى الحفاظ على وجودها الفاعل فى المجتمع الفلسطيني، وتواصل تقديم مساهمات كبيرة فى مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد، ولعب دورا بارزا فى النضال الفلسطيني.
وفى المجال الإنساني، تقدم المؤسسات المسيحية خدماتها لأكثر من1.9 مليون فلسطينى سنويًا، من خلال مشاريعها فى الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. وبهذا، يحاول المجتمع المسيحى الحفاظ على هويته الوطنية والدينية فى ظل هذه الظروف الصعبة.
مع استمرار الاستهداف الإسرائيلى وزيادة هجرة المسيحيين الفلسطينيين، هناك مخاوف حقيقية من اختفاء الحضور المسيحى فى الأراضى المقدسة، ويعبر قادة الكنائس عن قلقهم من أن تتحول الكنائس إلى مجرد متاحف، بدلًا من أن تكون مراكز عبادة تعج بالحياة.
إحلال السلام
المطران عطالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، أشار إلى أن حل القضية الفلسطينية وإحلال السلام يمكن أن يُعيد المسيحيين المهاجرين إلى وطنهم ويُنعش الحضور المسيحى مجددًا.
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، أعرب أيضا عن قلقه العميق إزاء هذه الظاهرة، مؤكدا أن الحضور المسيحى فى القدس يواجه تحديات وجودية غير مسبوقة. ودعا الكنائس فى العالم إلى دعم المسيحيين فى الأراضى المقدسة للحفاظ على وجودهم، محذرًا من أن القدس قد تصبح فى النهاية مكانًا خاليًا من الحضور المسيحي.
ودعا المطران عطا الله حنا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على الوجود المسيحى فى الأراضى المقدسة، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الكنائس والمؤسسات المسيحية أمر ضرورى للحفاظ على الهوية الفلسطينية والمسيحية فى آن واحد.
وأشار المطران عطا الله حنا إلى أن الوجود المسيحى فى فلسطين هو وجود أصيل، إلا أن الاحتلال يشكل تهديدًا لهذا الوجود، محذرًا من أن الهجمات المتكررة على الأماكن الدينية والمسيحيين تهدف إلى تقليص هذا الوجود التاريخي. فى حين
يرى العديد من القادة المسيحيين فى القدس والضفة الغربية أن الحفاظ على الوجود المسيحى فى الأراضى الفلسطينية يتطلب دعما دوليا وتعزيزا للاستثمارات فى المجتمعات المسيحية، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، فإن الأمل ما زال
قائما فى أن يتمكن المجتمع المسيحى من البقاء والمساهمة فى إعادة بناء مستقبل فلسطين. ومن خلال الدعم الدولى والمحلي، قد يتمكن المسيحيون الفلسطينيون من تجاوز العقبات والمساهمة فى الحفاظ على التعايش الدينى والثقافى فى المنطقة.
ويقول الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية الفلسطينى: إن الحكومة اليمنية المتطرفة اتفقت قبل عقد وتحديدا عام 2014، على الصيغة الأولية لقانون ما سمى بيهودية الدولة، الذى يحاول الاحتلال الإسرائيلى من خلاله إضفاء الصبغة
الدينية على حالة الصراع القائم والموجود للتهرب من الاستحقاقات التى تفرض عليها لإنهاء حالة الصراع وفقا للمتطلبات والحقوق الفلسطينية، وبدعم من المجتمع الدولى الذى اعترف بحق الفلسطينيين فى العيش بدولتهم المستقلة ضمن منظومة الأمم المتحدة.
وبين أن دولة الاحتلال حاليا تسعى لاستغلال الحالة القائمة، مع سيطرة أمثال بن غفير وسموتريتش، لترسيخ مفهوم يهودية الدولة، متناسية أن هناك المسلمين والمسيحيين واليهود الأصليين متواجدون بهذه الأرض وغيرهم من جنسيات وأعراق عديدة متواجدون، ويعيشون فى إطار هذه الدولة.