المنيا .. أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تعامل الجهات المسؤولة مع الاعتداءات الطائفية التي شهدتها قريتا الفواخر والكوم الأحمر بمحافظة المنيا، على خلفية محاولة مسيحيين التمتع بحقهم في ممارسة
شعائرهم الدينية. وتؤكد أن الأجهزة الأمنية فشلت في التدخل لمنع الاعتداءات قبل وقوعها، على الرغم من علمها المسبق بوجود توترات وعمليات تحريض طائفي متصاعدة، واكتفت بالتدخل بعدها وألقت القبض على عدد من المواطنين.
وأكدت المبادرة المصرية أن هذه الاعتداءات ليست “حوادث فردية” أو استثنائية أو وليدة الصدفة، موضحة أنه منذ سبتمبر الماضي وقعت ثلاث حوادث تخص بناء الكنائس في قرى المنيا، وبدلًا من أن تتدخل مؤسسات الدولة
الرسمية لحماية حق مواطنيها في ممارسة الشعائر الدينية وجبر الضرر الواقع عليهم، أغلقت ومنعت بناء الكنائس. وسبق أن حذرت المبادرة من تداعيات وخطورة هذا النهج، عقب أحداث قرى الخياري، ومنشأة زعفرانة، والعزيب.
وشددت المبادرة المصرية على ضرورة ألا تخضع مؤسسات الدولة لابتزاز المعتدين، فليس من مسؤولياتها احترام مشاعر من قد يستفزهم وجود دور عبادة للمسيحيين، بل إن الدولة مطالبة بحماية حرية العقيدة والحق في ممارسة الشعائر الدينية لجميع مواطنيها.
وحذرت المبادرة المصرية من تكرار اللجوء إلى الصلح العرفي لمعالجة هذه الاعتداءات على حساب آليات العدالة، حيث أن هذه الطريقة تعد رسالة بالموافقة الضمنية على الاعتداءات، مما يشجع على تكرارها، علاوة على الآثار النفسية التي تترتب عليها وأهمها شعور المسيحيين بأنهم مواطنين غير مساوين لجيرانهم المسلمين في الحقوق.
وعلى الجهات المسؤولة في الدولة التعامل بشفافية مع هذه التوترات والاعتداءات الطائفية وإعلان الحقائق للرأي العام؛ إذ بات الاكتفاء بتصريحات القيادات المحلية والدينية والسياسية عن احترام قبول الآخر وحقوق الآخرين، وكذلك
تضمين حرية العقيدة في برامج بعض الوزارات أو الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بدون إجراءات فعلية، غير مُجدٍ في منع وقوع هذه التوترات، كما أنه لن يحسن من وضع الحريات الدينية. فاحترام وقيام مؤسسات الدولة كافة بأدوارها
الدستورية والقانونية هو أولى خطوات الحل، وفي مقدمتها حماية حقوق مواطنيها من التعرض للعنف والإيذاء، وكذلك حماية ممتلكاتهم وحقهم في ممارسة الشعائر الدينية، سواء بشكل منفرد أو جماعي، في أحد المنازل أو داخل مبنى ديني أو كنيسة.
ولضمان تحقق العدالة وإرساء قواعدها الذي من شأنه مجابهة تكرار تلك الاعتداءات الطائفية، على الجهات المعنية أن تقوم بواجبها القانوني بالقبض على المتورطين سواء بالتحريض أو
الاشتراك، وإحالتهم إلى جهات التحقيق المختصة تمهيدًا لتحديد مسؤوليتهم الجنائية. وثانيًا، لا بُد أن تتدخل لتعويض الضحايا بطريقة متناسبة مع حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بهم.
وثالثًا بضمان حق الأهالي في ممارسة شعائرهم الدينية وبناء الكنائس التي يحتاجونها، خصوصًا أن هذه الأحداث تأتي متزامنة مع فترة الأعياد التي تكثر خلالها الصلوات والمناسبات الدينية.
وتجدد المبادرة المصرية مطالبها بإعادة النظر في قانون بناء الكنائس الذي لم يحل الصعوبات القانونية والإجرائية التي تواجهها الطلبات التي تقدمها الكنائس بشكل نهائي، وذلك بإزالة كافة الشروط التي تنطوي على تمييز أو تضييق على حق المسيحيين في ممارسة شعائرهم وفقًا للحماية الدستورية المقررة.
شهدت قرية الفواخر بمركز المنيا مساء الثلاثاء 23 أبريل 2024 اعتداءات طائفية، على خلفية شائعة عن قيام المسيحيين بتحويل منزل إلى كنيسة، حيث نظم بضع مئات من مسلمي القرية مسيرة تردد هتافات معادية وتطلق
أعيرة نارية في الهواء، ثم هاجموا منازل مسيحيي القرية، رشقوها بالطوب والحجارة أولًا ثم تطورت أحداث العنف إلى استخدام زجاجات المولوتوف، مما أدي إلى اشتعال النيران وحرق ثلاثة منازل، ونهب وإتلاف
محتويات ثلاثة منازل أخرى. وأثناء الاعتداءات، مُنع الأقباط من الخروج من منازلهم بقوة السلاح، كما هاجم المعتدون بعض النساء وضربوهن. وأدى الهجوم إلى ثلاث إصابات طفيفة لم تحتج إلى العلاج بالمستشفيات.
تقع قرية الفواخر بالقرب من الظهير الصحراوي الغربي، ويقطنها عدة آلاف من المسلمين ونحو أربعين أسرة مسيحية، إضافة إلى بعض الأسر المسيحية التي تعيش في نجع حربي التابع للقرية. ولا توجد بالقرية أو القرى
المجاورة أية كنائس، كما أن الذهاب إلى أقرب كنيسة يحتاج نحو ساعة بالسيارة، لذلك كانت إيبارشية المنيا للأقباط الأرثوذكس التابع لها المسيحيين روحيًا ترسل لهم – بطريقة غير دورية وغير منتظمة- أحد الكهنة
ليقوم بالرعاية الروحية وإقامة قداس بأحد منازل الأقباط، وراعت الإيبارشية في ذلك تغيير الكاهن والمنزل، حتى لا يظن الأهالي إنه كنيسة. وكان دخول الكاهن وزيارته للأسر المسيحية معلومين وتحت أنظار سكان القرية.
وفقًا لشهادة الأنبا مكاريوس أسقف المنيا، فإن أجواءً من التحريض والشحن والتهديد الطائفي سادت القرية قبل أربعة أيام من وقوع الاعتداءات، وأن تعامل أجهزة الأمن ساعد على ذلك. حيث استدعت الجهات
الأمنية يوم الاثنين 15 إبريل 2024 بعض أقباط القرية واستجوبتهم بشأن وجود كنيسة أو الشروع فى بناء كنيسة، ونفوا ذلك، فقامت قوات الأمن بوضع خفراء حراسة أمام أحد المنازل، وهو ما أوحى لأهالى القرية أن
الشائعة حقيقة. تطورت الأحداث، مع انتشار التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي فجر السبت 20 إبريل، ألقيت زجاجات حارقة على ثلاثة من منازل الأقباط، وتمت السيطرة على النيران فيها ومنازل أخرى ألقيت
عليها زجاجات دون خسائر. وفى يوم الاثنين 22 إبريل، قام أحد الأقباط بوضع كاميرات على منزله، تحسبًا لوقوع أي اعتداء عليه، وهو أمر شائع في القرية بشكل عام، لكن الأجهزة الأمنية طلبت منه رفع هذه
الكاميرات. وفى نفس اليوم، قام مدير المدرسة الابتدائية بالقرية، بالسخرية من بعض الفتيات القبطيات، وهو ما شجع عددًا من زميلاتهن على التحرش بهن وضرب بعضهن. وعندما احتج أهالى الفتيات على هذا السلوك، قام مدير المدرسة بطردهم.
مع تصاعد وتيرة التحريض، وتحذير بعض المسلمين جيرانهم المسيحيين أن هناك خططًا للاعتداء عليهم، أخطرت مطرانية المنيا مجددًا الأجهزة الأمنية للتدخل وحماية المواطنين، وتلقت وعودًا باتخاذ الإجراءات اللازمة. لكن الأحداث ، وصلت
ذروتها في الساعة العاشرة والنصف من مساء الثلاثاء 23 إبريل، حيث بدأ الهجوم على منازل الأقباط وإشعال النيران في بعضها. وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للحرائق، كنوع من التفاخر بالرد على “محاولة بناء كنيسة بالقرية”.
هذه الطريقة في التعامل مع الأحداث، دعت الأنبا مكاريوس لكتابة تغريدة على موقع إكس، جاء بها:
“أتابع بقلق بالغ هجوم المتطرفين الآن على منازل الأقباط في قرية الفواخر – مركز المنيا، واحتراق عدد كبير من المنازل ومنع سكانها من الخروج، وقد أبلغنا المسؤولين بالاعتداء المتوقَّع ووعدونا باتخاذ اللازم، ونثق في سرعة التحرك”. وصلت قوات الأمن بعد ساعة من بداية الأحداث، وتمكنت من السيطرة على الحرائق، وألقت القبض على عدد من المحرضين والمشاركين في الاعتداءات
أحداث قرية الكوم الأحمر
بعد ثلاثة أيام فقط من أحداث قرية الفواخر، شهدت قرية الكوم الأحمر بمركز المنيا أحداثًا طائفية وفقًا لشهود العيان، حين خرج مئات من أهالي القرية والقرى المجاورة عقب صلاة الجمعة، 26 إبريل، في
مسيرات تجوب شوارعها، وهم يرددون هتافات عدائية ضد المسيحيين ورافضة لبناء كنيسة مرخص بها تابعة للطائفة الإنجيلية. وقام المتظاهرون برشق منازل الأقباط بالحجارة، مما أدى لتهشيم أبواب ونوافذ
بعضها. ثم توجهوا إلى قطعة الأرض التي يجري تجهيزها لبناء الكنيسة، وأتلفوا 12 طنًا من الإسمنت وردموا بيارة الصرف الصحي، ثم تحركوا تجاه منازل الأقباط وكسروا نوافذ وأبواب عدد منها، كما أتلفوا ثلاث سيارات.
. وحصلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من شهود العيان على أربع مقاطع فيديو توثِّق الاعتداءات.
وفقًا لعدة إفادات من أهالي القرية، اشترى المسيحيون قطعة أرض عام 2000 بغرض إنشاء كنيسة إنجيلية لخدمة أهالي القرية والقرى المجاورة والتي لا يوجد بها كنائس تابعة للطائفة، وبنوا سورًا حولها وشرعوا في بدء بناء
الكنيسة، فتجمهر أهالي القرية المسلمون وقاموا بهدمه، بحجة عدم الحصول على ترخيص. وبقيت الأرض فارغة ومملوكة للكنيسة الإنجيلية، التي شرعت خلال عام 2023 في الحصول على ترخيص رسمي، وحصلت على رخصة البناء في أكتوبر الماضي.
وعندما بدأ تجهيز الأرض للبناء خلال يناير من العام الجاري تجمهر نحو مائة من أهالي القرية المسلمين أمام منازل اثنتين من العائلات المسيحية وقالوا لهم: “إحنا جايين نتكلم بالحسنى ومفيش كنائس تانية بالقرية هتتبني، كفاية الكنيسة الأرثوذكسية”.
جدير بالذكر أن القرية بها ما يزيد على ألفي مسيحي، جزء منهم ينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية، ولديهم كنيسة قائمة تقدم خدماتها الدينية؛ بينما قطاع واسع منهم ينتمي إلى الطائفة الإنجيلية، وهناك راعٍ يقدم الخدمات الدينية لهم ولا توجد كنيسة خاصة بهم، وحاولوا عبر سنوات طويلة الحصول على ترخيص البناء إلى أن تحقق ذلك العام الماضي.
عقب هذا التوتر، توقفت عمليات تجهيز الأرض، وسعت القيادات الأمنية والمحلية والدينية إلى تلطيف أجواء التوتر وإقناع الرافضين لوجود الكنيسة – خصوصًا المنتمين لقبيلة الجوازي والتي تضع يدها على الأرض بالمنطقة
التي بها الكنيسة. وأعطت الجهات الأمنية الموافقة ببدء العمل مرة أخرى في 22 إبريل الجاري، ووضعت قوة شرطة بجوار موقع الكنيسة. وجهزت الأرض لوضع الأساسات، وتم حفر بيارة الصرف، غير أنه في يوم الجمعة تم التحريض
ومخالفة الوعود بعدم التعرض للكنيسة وتنفيذ الهجمات الموصوفة أعلاه. بعد ساعة من الاعتداءات، حضرت تعزيزات أمنية من المحافظة وقامت بتفريغ الكاميرات في الشوارع التي شهدت الاعتداءات، وألقت القبض على عدد من أهالي القرية.