أسواق بقايا الطعام، واحدة من أفدح صور الفقر فى مصر والمرآة الحقيقية التى ترصد ما وصلت إليه الأوضاع فى البلاد، وجميعها صور مؤلمة رصدتها فيتو وتكشف عن طرق تدبير مأساوية يلجأ إليها بعض المواطنين فى ظل ارتفاع موجة الاقتصاد، لتلبية احتياجاتهم الغذائية بطرق غير آدمية من الأسواق العشوائية، دون مراقبة من المسؤولين وانعدام دور المحليات وهيئات التفتيش التموينية.
ويحيا المجتمع المصرى الآن حالة من الغضب، خاصة بين الفئات البسيطة، بعد رفع سعر العيش المدعم، الأمر الذى زاد من مخاوفهم وقلقهم من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يجعل العيش والتوفير أمرًا شبه مستحيل.
وتدفع الضغوط الاقتصادية المواطنين إلى اتخاذ تدابير يائسة من أجل البقاء، حيث يلجأون إلى شراء بقايا الطعام أو ما يعرف بـكسر الطعام.
وفى سوق إمبابة، نجد تجارًا بلا ضمير يستغلون ضعف البسطاء ويبيعون أطعمة فاسدة وغير صالحة.
ولجأت فيتو إلى عمل جولة خفية للتحقق من هذه الممارسات، واكتشفنا تجارًا يبيعون باقى الطعام بأسعار مغرية، ويتعاملون مع بقايا الجاتوه واللحوم المشكوك فى جودتها.
واحدة من هؤلاء الناس تعرف باسم أم أميرة، تبيع باقى الجاتوه الذى تحصل عليها من تجار التجزئة، بينما يقوم رجل آخر فى نفس السوق ببيع لحوم مشكوك فى جودتها، ويزعم أنها لحوم حمراء، وفى الجانب الآخر، تبيع سيدة أخرى منتجات غير صالحة للأكل بأسعار منخفضة.
لكن اللافت أن العديد من الناس وبالرغم من مخاطر هذه الأطعمة يلجأون إليها لتوفير بعض الغذاء/ منهم عم عصام، رجل بسيط، يشترى باقى الجاتوه لأطفاله، بينما تعمل أم محمد على جمع بقايا الطعام وتقشير العفن لإعداد وجبات لأطفالها.
تقول أم محمد لـ فيتو إنها ستضطر للبحث عن العمل بعد رفع سعر العيش، وستلجأ إلى شراء العيش المتبقى من الأثرياء.
فى السوق أيضا وجدنا معجنات مفتتة بما فيها الجاتوه، وتمد أم عبير يديها فى الطشت وتجمع مجموعة من المهروسات بمقدار كيلو وتباع بأسعار زهيدة.
وأمام أحد محال الكشري، تجلس فتاة تُدعى منى وطفلها، وأمامها أكياس كبيرة ممتلئة بقطع البسكويت المكسر وبعض المحمصات والمقرمشات التى لا تحمل تواريخ صلاحية، وتبيع الكيلو بـ10 جنيهات، وبالرغم من صعوبة المنظر الذى قد يكون مضرًا بالصحة، إلا أن الناس الفقراء يتجمعون حولها ويشترون منها.
وأثناء جولتنا فى أروقة السوق، التقينا بعم عصام، رجل بسيط قام بشراء قطع من الجاتوه المفتتة. وعندما سألناه عن سبب شرائه، أجاب بابتسامة مختلطة بالغضب، قائلا: علشان أفرح العيال بحاجة حلوة وعلى قد إيدي.
وأوضح عصام أنه لا يصدق حتى الآن أن الحكومة رفعت سعر العيش، حيث كان يحصل على 20 رغيفا بجنيه واحد، ولكن الآن سيحصل بنفس المبلغ على 5 أرغفة فقط.
أم محمد، سيدة فى الأربعينات من زبائن السوق، وقالت لـ فيتو إنها قالت إنها أرملة وتعول ثلاثة أطفال بمعاش تكافل كرامة قدره 350 جنيهًا، وزوجها متوفى.
وأشارت إلى معاناتها بعد رفع سعر رغيف العيش، وتشعر بالفزع والخوف من عدم قدرتها على تلبية احتياجات أولادها.
وأوضحت أنها تأتى إلى السوق لشراء بقايا الطعام وتقف بجوار الجزار لتحصل على العظم لإعداد شوربة لحم لأولادها بعد ارتفاع سعر اللحم إلى 350 جنيهًا، وتشترى بقايا الأطعمة من الفنادق وأى مكان آخر لتوفير احتياجاتهم من الطعام.
وأضافت أم محمد قائلة إن الحياة أصبحت أصعب بكثير مما كانت عليه فى السابق، لذلك تأتى إلى السوق وتبحث عن أطعمة بأسعار رخيصة، وإذا كان هناك بعض العفن فإنها تؤكد أنها تقشط العفن بالسكين وتتوكل على الله.
وبعد رفع سعر العيش، أكدت أم محمد أنها ستبدأ رحلتها فى البحث عن العيش المتبقى من الكبار، حتى تستطيع توفير رغيف العيش لأولادها، بحسب قولها.
يقول الدكتور محمد عبد الرحمن، أخصائى الباطنة فى مستشفى الرحمة، إن بقايا الأطعمة المتداولة فى الأسواق غير صالحة للتناول وتحتوى على سموم قاتلة.
وأوضح أنه عندما يظهر العفن فى الطعام، فإنه يشير إلى أن الجزء المصاب قد تأثرت به باقى الطبقات الداخلية التى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
وأشار إلى أن العفن ينتج مواد سامة تسمى مايكوتوكسن، وقد يسبب مشاكل صحية خطيرة بما فى ذلك السرطان، ودعا السيدات إلى عدم استنشاق رائحة الطعام أثناء فحصه، لأن ذلك قد يؤدى إلى استنشاق الأبواغ الفطرية، التى تعتبر خطيرة للغاية.
استكملت فيتو جولتها، والتقينا مع محمد رماح، العامل فى إحدى مطاعم منطقة المهندسين بحى العجوزة، حيث يتم تجميع بواقى الطعام فى المطاعم والفنادق والمطاعم السياحية الكبرى، وبيعه لتاجر متخصص فى بيع الكسر مثل الجاتوه والبسكويت.
يوضح رماح أن الطعام الذى يسلمه مسئول المطعم للتاجر لا يمكن أن يكون غير صالح أو به عفن، وإذا حدث ذلك يرجعه رماح إلى سوء تخزينه وليس أى شيء آخر خاصة أن نفس بواقى الطعام الفائض من الزبائن يسلم فى شكل معلب لإحدى الجمعيات الخيرية، لضمان توزيعها بشكل آمن وفعّال.