يُعد معهد الدراسات القبطية إحدى أهم الهيئات التعليمية والأكاديمية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث يسعى المعهد لدراسة جوانب الحضارة والتراث والثقافة القبطية، بكل ما تشمله من فكر ولاهوت ولغة وأدب، وتاريخ ومجتمع، وفن وموسيقى، وآثار وعمارة وغيرها، وذلك بطرق علمية ومنهجية، وفي ضوء ذلك يعمل المعهد على توثيق وحماية التراث القبطي المادي والغير مادي بكافة صوره وأشكاله.
وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلنت الكنيسة القبطية على صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الإجتماي ببيان تُعلن فيه موافقة مجلس الوزاء على مشروع قرار يرخص لوزير المالية بإصدار عملات تذكارية غير متداولة من الفضة بمناسبة مرور 70 سنة على إنشاء معهد الدراسات القبطية، التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وجاء ذلك خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء.
ويُعد الرئيس الأعلي للمعهد حالياً هو قـداسة الـبـابـا تـواضـروس الـثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؛ بينما يشغل منصب العميد الدكتور إسحاق إبراهيم عجبان، وبمناسبة ذلك الحدث تسلط «البوابة نيوز» الضوء على المعهد.
تاريخ المعهد
تأسس معهد الدراسات القبطية سنة 1954م، وذلك برئاسة الدكتور عزيز سوريال عطية، حيث تجمع أكبر عدد من العلماء المصريين من أساتذة الجامعات المصرية ليقوموا معاً بعمل علمي قبطي تاريخي كبير،
واجتمع المجلس الملي في 21 يناير 1954م، برئاسة البابا يوساب الثاني بطريرك الكنيسة رقم 115، حيث اعتمد ميزانية معهد الدراسات القبطية، وتم تخصيص الدور الأول من مبنى كلية مار مرقص بأرض الأنبا
رويس ليكون مقراً للمعهد، وفي 17 ديسمبر 1954 أقيم حفل افتتاح المعهد وقابلت الأوساط العلمية العالمية فكرة إنشائه باهتمام بالغ، وسارعت إلى إيفاد علمائها وباحثيها إليه للتعاون العلمي المشترك.
وقد وافقت وزارة التربية والتعليم على إنشائه بخطابها الصادر من إدارة التعليم العالي رقم 1264 بتاريخ 10 يوليو 1955 وقد أشادت فيه بفكرة إنشائه لخدمة التاريخ الوطني في العصر المسيحي وسد العجز الموجود في هذا المجال، ويهتم بالتاريخ والحضارة والتراث والثقافة القبطية.
يذكر المعهد عبر موقعه الرسمي أنه يعمل على خدمة الكنيسة والمجتمع والوطن، وذلك على أسس روحية، وعلمية، وبحثية، وتطبيقية. ويعمل المعهد على التواصل والتنسيق مع الهيئات العـلمية المحلية والعالمية
المتخصصة في مجال الدراسات القبطية، وذلك عن طريق اهتمامه بالدراسات المتخصصة وتشمل عدة مجالات منها العلوم اللاهوتية والكنسية، والعلوم الانسانية، والدراسات الاجتماعية والتربوية والاعلامية، وغيرها.
وللالتحاق بالمعهد يوجد هناك عدة شروط أبرزها: – أن يكون حاصلاً على مؤهل دراسي (بكالوريس، ليسانس) – أن لا يكون طالباً في أي معاهد أخرى -أن يحصل على خطاب تزكية من أب الإعتراف الخاص به.
ويقول المؤرخ ماجد كامل في تصريحات خاصة لـ«البوابة»: ❞ حرص المعهد منذ بداية تأسيسه علي عقد سلسلة ندوات ومحاضرات نصف شهرية؛ لتثقيف الشعب المصري عموما؛ والشعب القبطي خصوصاً، كما دعى المعهد كبار علماء القبطيات في
العالم وكانت أول محاضرة للعالم الفرنسي الشهير بيير دي بورجيه بتاريخ 18 فبراير 1955 وكانت عن النسيج القبطي؛ ثم تبعه العالم السويسري فونتين حيث ألقي محاضرة عن الرهبنة القبطية وجبل القديس انطونيوس؛ كما ألقي عالم
الموسيقار العالمي نيولاند سميث محاضرة عن الموسيقي القبطية وجذورها، وشارك في هذا البرنامج العديد والعديد من كبار علماء القبطيات في العام مثل “أوتو ميناردس ” و” مارتن بلاملي “و”أرنست شميدت ” و”رودلف قيصر ” وغيرهم الكثير والكثير .❝
وتابع : ❞ كان للسمعة العالمية التي يتمتع بها الدكتور عزيز سوريال عطية في الأوساط العالمية؛ أثرها الكبير في انتشار أخباره في العالم كله بسرعة كبيرة؛ فرحب عدد كبير من علماء القبطيات في العالم بقبول زمالة المعهد، نذكر منهم د.
كوبلاند Copland الأستاذ الفخري بجامعة ليفربول؛ ود. بولكان Paulcan الأستاذ بجامعة أكسفورد؛ ود. بوك Book الأستاذ بجامعة ميتشجان؛ ود. كالفولي Calfolly الأستاذ بجامعة هارفارد؛ ود.متزجر Metzeger الأستاذ بجامعة برنستون؛ ومسيو مونتيه Montier ؛ ومسيو دريتون Dreaton ( وهو بالمناسبة آخر مدير أجنبي لمصلحة الآثار المصرية قبل تمصيرها) وكلاهما فرنسي الجنسية.❝
وأعرب كامل عن سعادته بقرار مجلس الوزراء بالقول: ❞ إنه بلا شك أن قرار مجلس الوزراء بإصدار قرار بسك عملات فضية تذكارية بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد، قد أثلج صدورنا جميعاً،
وجعلنا نشعر بفرح كبيرة، وذلك نظراً بما يتمتع به معهد الدراسات القبطية من سمعةً كبيرةً سواء في الأوساط المحلية او العالمية؛ وهذا ليس بالغريب عن معهد عريق عمره 70 عاماً، وقد تناوب على
عمادته واستاذيته والتدريس فيه نخبة من خيرة أساتذة القبطيات في مصر والعالم، نذكر منهم بكل فخر (د. عزيز سوريال عطية، د. سامي جبره، د. مراد كامل، د. باسيليوس ميخائيل، د. راغب مفتاح) ولن
ننتهي إذى حاولنا حصر هذه الكوكبة من الأسماء، وفي النهاية نشكر الدولة على هذه الخطوة الكبيرة ونتعشم بأن تقوم الكنيسة بإعداد احتفالية شعبية تليق بالمعهد؛ لتكون أعظم تكريماً لأرواح هذه الأسماء.❝
وفي سياق متصل يقول الباحث جرجس حنا، تمهيدي ماجستير بقسم العلاقات الكنسية والمسكونية بمعهد الدراسات القبطية في تصريحات خاصة لـ«البوابة»:❞ إن المعهد الدراسات القبطية يحتل المكانة الكبرى بين
الكليّات والمعاهد الأكاديمية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ فمنذ نشأته بقرار من المجلس الملي في 1954م، كان ذلك بمثابة حلم طال انتظاره، حتي تجلي وتربع المعهد بقوة خلال فترة زمنية قليلة بين صروح العلم.❝
وتابع، ❞للمعهد قيمة علمية كبيرة تخدم أبناء الكنيسة القبطية؛ قمن خلال أقسامه المتعددة والمتنوعة يقدم الهوية القبطية بالصورة التي تتناسب مع العصر الذى نعيشه، يتميز معهد الدراسات القبطية بالطابع المؤسسي الذي يقوم علي الأنظمة العلمية التخصصية والتي تتخذ من النهج الأكاديمي أسلوبا مهنيا في عملية التعليم بالمعهد.❝
وأكمل، ❞يهتم المعهد بالدراسات المتخصصة وتشمل عدة مجالات منها العلوم اللاهوتية والكنسية، والعلوم الانسانية، والدراسات الاجتماعية والتربوية والإعلامية، والمسكونية، وعند تأسيس المعهد كان يضم 7 أقسام فقط، ولكن بعد التحديث والتطوير الذي مر به المعهد علي مدار تاريخه، أصبح هنا 13 قسماً بالمعهد❝
وأضاف، ❞من الناحية الشخصية لقد كان المعهد بالنسبة لي بمثابة أرضاً خصبة لاكتشاف كل ما هو جديد في مجال العلاقات الكنسية والمسكونية، وهذا القسم تأسس حديثاً عام 2020 وهو أحد الأقسام المتميزة بالمعهد، وذلك بما يقدمه من مادة
علمية راقية ومعلومات أكاديمية جديدة في مجال لم يتطرق لها أحد من قبل بهذه الطريقة التخصصية، يتم داخل القسم تدريس مواد مثل تاريخ الكنائس الشرقية بشقيها الأرثوذكسي وغير الأرثوذكسي و الحوارات والاتفاقيات اللاهوتيّة بين
الكنيسة القبطية و الكنائس الأخري، بالإضافة الي العلاقات التي تربط الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باشقائها من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية (السريان والأرمن والأحباش) كما يدرس بالقسم مادة اللاهوت العقائدي و مادة اللغة الإنجليزية.❝
وأكد جرجس حنا أن قسم العائلات الكنسية والمسكونية يعد النواة الاولي في تكوين شباب قبطي أرثوذكسي يفهم ماهية المسكونية ودور الكنيسة تجاه هذا الأمر وذلك من منطلق ما تتميز بيه الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية من تاريخ طويل في مسيرة الحركة المسكونية منذ بدايتها في عهد البابا يؤانس التاسع عشر مرورا بعهد البابا يوساب و البابا كيرلس السادس الذي كان له دور كبير في بناء جسوار الحوار مع الكنائس
الأخري وعهد البابا شنوده الثالث الذي كان عهدا مثمراً في مجال العلاقات الكنسية والمسكونية وصولاً لعهد البابا تواضروس أطال الله حياته الذي اكمل هذا المجال وكان أحد رواده. كما يقول البابا تواضروس
الثاني بطريرك الكنيسة القبطية عن معهد الدراسات القبطية: ❞أنه منارة للكنيسة، وكلمة منارة مشتقة من النور، وهذا النور الذي يقدمه المعهد سواء بالاستنارة أو بالتعليم أو بالمعرفة يجعله منارة، وهو
معهد للدراسات، والدراسة تعني التعليم، واذا كان المعهد يهتم بالتعليم ؛ فالتعليم هو مفتاح التغيير؛ وهو معهد للدراسات القبطية، والقبطية تعني الهوية؛ لذلك معهد الدراسات القبطية يعني أيضاً بالاهتمام بالهوية.