احتفلت الكنيسة بتذكار الأنبا إبيفانوس في قداس اليوم، كما تذكره ديره أيضًا وصرح ل”وطني” الباحث ماجد كامل بسؤاله حياة الأنبا ابيفانوس قائلًا:
“من بين الآباء الأساقفة المعاصرين الذين تركوا تأثيرًا كبيرًا في التعليم والثقافة القبطية ؛ يبرز اسم المتنيح الأنبا إبيفانيوس رئيس دير القديس العظيم أبو مقار ( 1954 – 2018 ).
أما عن أنبا إبيفانيوس نفسه، فولد في 27 يونيو 1954 باسم تادرس زكي تادرس بمدينة طنطا من أسرة تقية تحب الكنيسة وتراثها ؛ و تعلق الطفل تادرس بالكنيسة منذ طفولته ؛ وارتبط ارتباطًا روحيًا كبيرًا بالمتنيح نيافة الأنبا يؤانس ( 1923- 1987 ).
ولقد تميز منذ طفولته بالتفوق الدراسي الشديد ؛ فالتحق بكلية الطب جامعة طنطا ؛ وتخرج فيها عام 1978 ؛ وتخصص بعدها في طب وجراحة الأنف والأذن والحنجرة ؛ ولقد كان أيضًا دائم
التردد علي زيارة الأديرة وخاصة دير القديس مكاريوس الكبير بوادي النطرون ؛ حتي أتخذ قرارا هاما بالترهب فيه في 17 فبراير 1984 ؛ وفي داخل الدير عمل في خدمة حظيرة الدواجن ؛
ونظرا لمهنته الطبية السابقة ؛ خدم في العيادة الطبية ؛ ونظرًا لعشقه الشديد للقراءة والاطلاع ؛ لفت انتباه الأب القمص متي المسكين ( 1919- 2006 ) فكلفه بالخدمة في المكتبة ؛ ثم مطبعة الدير.
ثم رسم راهبا ليلة سبت النور يوم اسبت الموافق 21 أبريل 1984 باسم ” الراهب إبيفانيوس المقاري.
وأوضح “كامل”: كان نموذجًا مثاليًا في الطاعة والخدمة والعطاء ؛ ومع شغفه الشديد بالقراءة ؛ كلف بخدمة المكتبة الحافلة بالكتب والمراجع المختلفة ؛ ومع خلفيته الطبية ؛ طلب منه الأب متي المسكين مرافقته في رحلته العلاجية لأمريكا عام 1997 ؛ كذلك مرافقة الأب يوحنا المقاري في رحلته العلاجية لألمانيا عام 2002.
ثم رسم قسا في يوم الخميس الموافق 17 أكتوبر 2002 بيد صاحب النيافة المتنيح الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ( 1921- 2014 )، والذي كان يقوم بأعمال رئيس الدير في ذلك الوقت ؛ وبعد فترة تقدم الأنبا ميخائيل بطلب
إعفائه من رئاسة الدير ؛ وأن يقوم قداسة البابا تواضروس برسامة أحد رهبان الدير أسقفا ورئيسا للدير ؛ وبالفعل تم عمل اقتراع سري بين الآباء الرهبان لانتخاب رئيس جديد للدير في يوم 3 فبراير 2013 ؛ وفاز
الراهب إبيفانيوس المقاري بأعلى الأصوات ؛ وبالفعل تمت رسامته أسقفا للدير في يوم الأحد الموافق 10 مارس 2013 بيد قداسة البابا تواضروس الثاني ؛ وتم تجليسه يوم عيد الصليب 18 مارس 2013 بحضور أكثر من 40 أسقفا.
ولقد قال عنه المتنيح الأب يوحنا المقاري عن فترة أسقفيته “عاش بيننا في زهد وتجرد تام عن كل مظاهر الأسقفية ؛ ببساطة بلا عصا ولا صليب ذهبي ؛ ولم يكن يقبل مظاهر التكريم للأسقف أو إجراء الطقوس الخاصة
بالأسقف عند حضوره الكنيسة. ولقد تنيح فجر يوم الأحد الموافق 29 يوليو عقب حادث اغتيال غادر مؤسف ؛ حيث تعرض نيافته للضرب علي رأسه بآلة حادة ( ثلاث ضربات متتالية ) ؛ مما أدي إلي وفاته عن عمر يناهز 64 عاما.
وتمت الصلاة علي جثمانه الطاهر بحضور قداسة البابا تواضروس الثاني وعدد كبير من آباء وأحبار الكنيسة الأجلاء.
وبالرغم من قصر عمر الأنبا إبيفانيوس نسبيا ؛ إلا أنه استطاع أن يثري المكتبة بالعديد من الكتب والدراسات والمقالات القيمة ؛ وعن كتاباته صدر له كتاب ” القداس الباسيلي : النص اليوناني مع الترجمة العربية ” وكان ذلك
خلال عام 2012 ؛ ثم كتاب ” القداس الغريغوري : النص اليوناني مع الترجمة العربية “عام 2013 ؛وفيه يذكر تاريخ استخدام الكنيسة القبطية لهذا القداس ولقد اعتمد على مقارنة عشرات المخطوطات مع تسجيل بعض الملاحظات اللاهوتية الهامة.
وجاء الكتاب الثالث بعنوان ” قداس القديس مرقس : القداس الكيرلسي ” ولقد قام فيه بعقد مقارنات بين ثلاث نسخ لنفس القداس من مخطوطات مختلفة.
وفي عام 2014 ؛ صدر لنيافته كتاب ” الخولاجي الدير الأبيض ” ولقد وصفه الدكتور ساويرس أنه درة تاج مجموعته الليتورجية ؛ وفي هذا الكتاب تظهر الإجادة التامة لنيافته للغة القبطية في لهجتها الصعيدية، وكتب كلمة تشجيع طيبة للشباب على ضرورة وأهمية الغوص في المخطوطات القديمة.
كما كتب مقالة عن مخطوط قديم يضم مقدمة تقديم القرابين كما جاءت في القداس الباسيلي مترجما عن نص قبطي صعيدي، ولقد صدرت المقالة في مجلة مدرسة الإسكندرية في عددها الثالث عام 2009.
كما ألقى محاضرة باللغة الإنجليزية عن الذكصولوجيات الآدام بحسب مخطوطات دير القديس العظيم أبو مقار ؛ وذلك في مؤتمر القبطيات المنعقد في روما عام 2012 والذي نظمته الجمعية الدولية للدراسات القبطية.
وفي عام 2018 صدرت آخر إصداراته الليتورجية وهو “خولاجي القداسات الثلاثة يوناني – عربي ”
وفي مجال دراسات الكتاب المقدس، قام نيافته بترجمة العهد القديم من اللغة اليونانية ( الترجمة السبعينية ) إلى العربية مع حواشي تقارن بين النص اليوناني والنص العبري والترجمة القبطية ؛ ولقد بدأ المشروع بترجمة كتاب “سفر التكوين “عام 2012 ؛ ثم سفر الخروج ؛ وكان قد سلم للمطبعة ترجمة ” سفر اشعياء ” قبل استشهاده.
وفي مجال التراث العربي المسيحي ؛ كان نيافته قد بدأ في نشر سلسلة تحمل عنوان ” من مخطوطات دير القديس أنبا مقار ” نشرها مسلسلة في مجلة “مرقس ” ؛ وفي خلال عام 2016 ؛ صدرت له كتاب ” سير تعليمية للقس بطرس السدمنتي “ثم أصدر بعدها كتابين عن بولس البوشي ؛ الأول هو ” تفسير سفر الرؤيا ( أبو غالمسيس ) للأنبا بولس البوشي أسقف مصر عام 2017 ؛ ثم ميامر الأعياد الإلهية للأنبا بولس البوشي ” عام 2018.
وفي عظة عيد القيامة التي ألقاها في مدينة القدس بعد نياحة مطرانها الأنبا آبراهام ؛ قدم الأنبا إبيفانيوس عظة بولس البوشي عن عيد القيامة.
كما قدم بحثا عن قواعد قبول غير القبط في الكنيسة القبطية علي مر القرون طبقا لما ورد في عدد من مخطوطات دير الأنبا مقار غير المنشورة، وذلك في المؤتمر السادس والعشرين للتراث العربي المسيحي،
ولقد أعد الأب وديد المقاري ورقة بحثية بعنوان ” المؤتمرات الدولية التي شارك فيها نيافة الأنبا إبيفانيوس ” ويمكن تلخيص الورقة في النقاط الآتية :-
1-أول مؤتمر دولي حضره نيافته وهو ما زال راهبا ؛ المؤتمر الدولي للدراسات القبطية الذي عقد في روما خلال الفترة من 17 إلي 22 سبتمبر 2012.
وألقي ورقة عن الذكصولوجيات الآدام بحسب مخطوطات مخطوطات دير أنبا مقار.
2-في سبتمبر من عام2014 ؛ أنتدبه قداسة البابا تواضروس لإلقاء كلمة في المؤتمر الدولي الذي نظمته منظمة سانت إيجيديو لأجل السلام ؛ وكان عنوان الندوة ” السلام في المستقبل ” وألقي فيها نيافته ورقة باللغة الإنجليزية بعنوان ” المؤمن رجل صداقة.
3-في سبتمبر من عام 2015 ؛ حضر نيافته للمرة الثانية المؤتمر الدولي الذي تنظمه مؤسسة سانت إيجيديو لأجل السلام ؛ ولقد أنعقد المؤتمر في مدينة تيرانا عاصمة أليانيا وكان عنوان المؤتمر ” السلام دائما ممكن ؛ وألقي فيها نيافته ورقة بحثية بعنوان ( الشهداء : وجه المسيحية الجديد).
4- وفي نفس العام ؛ وبعد عشرة أيام من المؤتمر السابق ؛ شارك نيافته في المؤتمر الدولي للروحانية الأرثوذكسية الذي نظمه دير بوزي بالاشتراك مع الكنائس الأرثوذكسية بعنوان “الرحمة والمغفرة ” وفيبها قدم ورقة بحثية بعنوان ( المغفرة في حياة الأب متي المسكي
5-في مايو 2016 ؛ نظم دير بوزي مؤتمرا دوليا حول شخصية الأب متي المسكين ومبادئه الروحية بعنوان ” الأب متي المسكين : أب برية معاصر ” وفيه ألقي نيافته ورقة بحثية حول ( الميراث الروحي والإنساني للأب متي المسكين بعد عشر سنوات من نياحته ).
6-في شهر سبتمبر من نفس العام ( 2016 ) ؛ أوفده قداسة البابا تواضروس لحضور المؤتمر الرهباني لرؤساء الاديرة البندكتيين ؛وقدم فيها نيافته ورقة بحثية بعنوان ( الرهبنة والوحدة المسيحية تحدث فيها عن الرهبنة كطريق ممهد لبلوغ الوحدة بين الكنائس المختلفة.
7-في نهاية شهر سبتمبر 2016 ؛ حضر نيافته مؤتمرا سانت إيجيديو ؛ وكان عنوان المؤتمر ” الظمأ إلي السلام ” وفيها ألقي نيافته ورقة بحثية بعنوان ( الرحمة العملية : أطعم الجياع ؛ أسق العطاش وحكي فيها تجرية دير أبو مقار كيف أستقبل وأعد الطعام للمساجين الهاربين من سجن وادي النطرون.
8-في آخر نوفمبر 2016 ؛ أوفده قداسة البابا تواضروس لحضور جلسة برو اورينتي للحوار المسكوني في مدينة فيينا عاصمة النمسا ؛ وألقي فيها نيافته ورقة عنوانها ” العقبات التي تحول دون الوحدة “.
9- في سبتمبر من عام 2017 ؛ سافر نيافته إلي مدينة مونستر بألمانيا لحضور مؤتمر سانت إيجيدو الدولي ؛ وقدم فيها ورقة عنوانها (الاستشهاد، ذكرى وواقع يعيشه المسيحيون).
10- في نهاية شهر فبراير 2018 ؛ حضر نيافته بتكليف من قداسة البابا تواضروس الثاني اللقاء السنوي بمؤسسة برو أوريتنتي في فيينا ؛ وذكر فيها تأسيس البابا تواضروس يوم 10 مايو من كل عام اليوم السنوي للمحبة .
11- في يوليو 2018 ؛ دعاه نيافة الأنبا سوريال أسقف ملبورن وقتها لإلقاء كلمة في مؤتمر دولي نظمه المعهد اللاهوتي القبطي الأرثوذكسي بملبورن أستراليا تحت عنوان ( الأقباط في العصر المعاصر ).
ولخص فيها نيافته ميراث الأب متي المسكين للأجيال الحالية والقادمة في التأصيل والتجديد الرهباني ؛ والانفتاح على الكنيسة الجامعة ؛ والتعليم الكنسي والوحدة الكنسية.
وعلى هامش هذه المؤتمرات الدولية ؛ حضر العديد من اللقاءات ؛ منها أنه كان من ضمن الوفد المرافق لقداسة البابا في زيارته لبابا روما في مايو 2013 ؛ وفي مايو 2014 ؛ حضر مناقشة رسالة الدكتوراة للنيافة الأنبا سوريال عن القديس الأرشيداكون حبيب جرجس ؛ وكان يرافقه في نفس الوفد نيافة الأنبا مقار أسقف الشرقية والعاشر من رمضان ( وبالمناسبة صدرت هذه الرسالة في كتاب مطبوع أخيرا عن مؤسسة بانوريون ).
وفي مايو 2014 سافر مع وفد مكون من بعض رؤساء الأديرة القبطية مثل نيافة الأنبا يسطس رئيس دير الانبا انطونيوس ونيافة الانبا هدرا مطران اسوان ورئيس دير الأنبا باخومويس بحاجر أدفو ؛ ونيافة الأنبا سيرابيون مطران لوس انجلوس ليسافروا إلى جنوب أفريقيا لتدشين دير جديد أسسه نيافة الأنبا أنطونيوس مرقس في جنوب أفريقيا.
ثم كلفه قداسة البابا تواضروس بزيارة أديرة جبل أثوس باليونان بالاشتراك مع نيافة الأنبا يسطس رئيس دير الانبا انطونيوس ونيافة الأنبا دانيال أسقف ورئيس دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر ؛ وذلك بهدف توثيق العلاقة بين الرهبنة القبطية والرهبنة اليونانية ؛وكان ذلك خلال الفترة من ( 22 – 30 سبتمبر 2014 ).
كما سافر الي لبنان لتمثيل الكنيسة القبطية في الاحتفال بمرور 150 عاما علي الترجمة العربية للكتاب المقدس فان ديك Van Dyke.
وكان ذلك خلال الفترة من ( 1 – 3 نوفمبر 2015 ).
كما زار اليونان في 8 ديسمبر 2016 مع بعض الآباء الأساقفة ؛ وكان مقررا أن تستمر الزيارة أسبوعا ؛ غير أنهم اضطروا للعودة لمصر علي أثر تفجير الكنيسة البطرسية في 11 ديسمبر 2016 .
وفي يونية 2017 قام بزيارة روسيا ؛ وذلك خلال الفترة من ( 16 – 23 يونيو 2017 ).
وكان آخر مؤتمر ينوي أن يحضره هو ” المؤتمر السادس والعشرين للروحانية الأرثوذكسية الذي عقد في دير بوزي بإيطاليا خلال شهر سبتمبر 2018 ؛ وكان مفروض أن يقدم ورقة بحثية موضوعها ( الإفراز عند آباء البرية ) ؛ غير أن حادث الاعتداء المؤسف الذي تعرض له مما أدي إلي نياحته حال دون ذلك.
وأوضح الباحث ماجد كامل عن بعض الذكريات الشخصية مع كاتب هذه السطور:
كان لي الشرف التعرف علي نيافة الأنبا إبيفانوس في السنوات الأخيرة من حياته عن طريق جمعية الآثار القبطية ومؤسسة القديس مارمرقس لدراسة التاريخ القبطي ؛ كذلك قام بإلقاء
محاضرة في الكلية الإكليركية اللاهوتية للأقباط الآرثوذكس عن مخطوطات وترجمات الكتاب المقدس ؛ كما حضرت له محاضرة في كلية الآداب جامعة عين شمس حول الدور الحضاري لكنيسة
الإسكندرية ؛ وكان حاضرا معه في نفس المؤتمر جناب الأب الورع القمص بيشوي حلمي أستاذ اللاهوت العقائدي بالكلية الإكليركية ؛ وحضرت له محاضرة أخرى في كلية اللاهوت الإنجيلية بالعباسية.
ولقد لفت نظري تواضعه الشديد ؛ فلقد كان يصر علي الجلوس في الصفوف الخلفية ؛ وكان يرفض بشدة كل من يحاول تقبيل يده وكان يسحبها بقوة ؛ وكان يرفض وبإصرار كل من يطلب منه الجلوس في الصف الأول بما يليق بالآباء الأساقفة ؛ وكان يرتدي طاقية الرهبان بدون عمة ولا عصا الأسقف.
ولعل أشد ما ترك أثرا كبيرا في هو أنه كلما كان يراني يقول ” مقالاتك على صفحة جمعية الآثار القبطية جميلة جدا ؛ استمر فيها ”.
ولقد تميز بالبساطة الشديدة ؛ فكان يجيب علي أي سؤال يوجه له ببساطة وبدون تكلف.
وكان أحيانا كثيرة يقبل كل من يختلف معه في الرأي بدون إي إحراج.