أعلنت حركة حماس الفلسطينية، مساء اليوم، عن اغتيال إسرائيل للقيادي صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، وقياديين في الجناح العسكري.
واغتيل العاروري خلال وجوده داخل مكتب حماس بالضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية “بيروت”، حيث أطلقت مسيرة إسرائيلية صواريخ دقيقة، حيث استهدفت الطابق الموجود فيه المكتب فقط دون أن تنهار بقية طوابق المبنى.
مرحلة التجهيز: تعاون أمني ثلاثي في إسرائيل
تحدثت الكثير من المسئولين الإسرائيليين، على مدار الـ 88 يومًا الماضية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، بأن قيادات حركة حماس هم أهداف على قائمة الاغتيال لديهم.
وركزت المسئولون الإسرائيليون على أن استهداف قيادات حماس لن يقتصر على غزة أو الضفة الغربية فقط، بل إن القيادات الموجودة في الخارج، في إشارة إلى الكوادر الموجودة في لبنان وتركيا وقطر.
بالفيديو | مشاهد توثق لحظة اغتيال القيادي في حماس الشهيد الشيخ #صالح_العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت pic.twitter.com/imUhULYC6h
— قناة المنار (@TVManar1) January 2, 2024
وتعتمد عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل على “كونسلتو” فيما يخص التعاون بين مختلف الأجهزة، وأبرزهم جهاز الأمن العام “الشاباك”، وجهاز الاستخبارات “الموساد”، والجيش لا سيما شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”.
وتمثل خطوة جمع المعلومات ومقارنتها والتأكد من دقتها هي المرحلة الأساسية للانتقال إلى النقاش حول كيفية تنفيذ عملية الاغتيال، إلى أن يوافق عليها المستوى السياسي، حيث يتم النظر إلى مدى جدوتها وأهمية توقيتها، بالإضافة إلى التعامل مع المرحلة التي تليها من ردود متوقعة لأي مدى.
توقيت الهجوم: تصريح هنية واستفادة نتنياهو
في أي عملية اغتيال تنظر إسرائيل إلى توقيت تنفيذها في المقام الأول، لأنه يحقق أكثر من 50% من الأهداف التي تريدها، سواء داخليًا، أو في المرحلة التي تريد الذهاب إليها لاحقًا.
وعملية اغتيال العاروري، اليوم، تم تنفيذها بعد أقل من ساعتين، نحو 75 دقيقة، من كلمة لـ”إسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي لحماس، والتي أكد فيها أن جميع قيادات الحركة بخير وفي أمان.
توقيت تنفيذ العملية يوفر لإسرائيل، وتحديدًا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، نافذة يمكن من خلالها الخروج بـ”صورة النصر” التي يلهث خلفها نتنياهو منذ 7 أكتوبر وبداية الحرب في غزة، ومواجهة التقرير التي تتحدث عن الفشل الأمني وعدم تحقيق الردع، ما يجعله عرضة للمساءلة القانونية، وهو ما يخطط لتجنبه طوال تلك المدة.
ومن المؤكد أن نتنياهو سيعمل خلال الساعات المقبلة على الاستفادة من عملية اغتيال العاروري على المستوى الداخلي، واحتواء الرأي العام الإسرائيلي الغاضب ضده بسبب رفضه تحمل المسئولية الكاملة عما حدث في 7 أكتوبر الماضي.
وسيركز نتنياهو على أن إسرائيل تحت قيادته قادرة على الوصول إلى قيادات حماس واغتيالهم في أي مكان، سواء داخل غزة والضفة، أو خارجهما.
إحراج إيران: هدف ثاني لإسرائيل
على مستوى أخر، من الواضح أن المستوى السياسي والأمني في إسرائيل رأوا أن توقيت ومكان تنفيذ عملية اغتيال العاروري، داخل الضاحية الجنوبية بلبنان، والتي يتواجد فيها حزب الله، هو أمر مثالي يجعلها تتحدث عن تحقيق الردع ضد أذرع إيران في المنطقة، لا سيما على حدودها الشمالية والجنوبية.
ونظرت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ونتنياهو، إلى أن العمل ضد قيادات حماس، واستفزاز حزب الله، في آنٍ واحد، يحقق لهما انتصارا أخر أمام الرأي العام في إسرائيل، ما يخفف الضغط الحالي عليهما جراء الفشل الذي يواجهونه في حرب غزة.
ولعل ما عزز الرؤية الإسرائيلية هي التصريحات التي سبق وأدلى بها حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، حين قال إن أي استهداف تنفذه إسرائيل لقيادات المقاومة في لبنان سواء من الحزب أو أي فصيل فلسطيني يقيم في لبنان سيؤدي إلي تغيير كامل للمعادلة بين إسرائيل وحزب الله.
كيف يؤثر “اغتيال العاروري” على التصعيد الحالي؟
من المؤكد أن اغتيال إسرائيلي لقيادي حماس داخل لبنان ينذر بمرحلة جديدة من التصعيد الحالي، والتي قد تكون أكثر عنفًا، وتتسع رقعتها.
وفي ظل انتقال إسرائيل لتنفيذ عملية نوعية في الاشتباكات، فمن الممكن أن نشهد مرحلة أكثر حدة في المناوشات بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية، لكنها قد لا ترقى إلى مستوى الحرب الموسعة، خاصةً أن المستوى الرسمي في لبنان يعي جيدًا محاولات تل أبيب لجرها إلى مواجهة عسكرية واسعة.
وظهر ذلك جليًا في الرد الفوري والسريع الذي أدلى به نجيب ميقاتي قائد حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، والذي شدد على الرفض اللبناني الرسمي لعملية الاغتيال واعتبارها انتهاك للسيادة اللبنانية، ومحاولة لجر بلاده للاشتباك المباشر جراء إخفاقات إسرائيل في غزة.
وحول إمكانية توسيع رقعة الصراع، فمن الممكن أن تشهد المرحلة المقبلة عمليات تنفذها إيران وأذرعها ضد أهداف إسرائيلية، في ميادين أخرى، تأتي ردًا على عملية الاغتيال داخل منطقة الضاحية الجنوبية.
“حرب كبرى” بين إسرائيل وحزب الله.. لماذا لا الآن؟
تشير التقديرات الأمنية في إسرائيل إلى أن ردة الفعل على عملية الاغتيال لن تصل إلى مرحلة الحرب سواء من جانب حزب الله أو حماس.
وتتحرك إسرائيل في اتجاه لتضخيم الرد المتوقع من الجانبين، ولكن على الأرض ستكون الأهداف محددة، ومن الممكن أن تكون متوقعة أيضًا، قد تشمل عمليات أكثر حدة وإطلاق لكم أكبر من الصواريخ، وتغيير طرازتها لصواريخ طويلة المدى داخل المستوطنات الإسرائيلية.
ويهدف تحرك إسرائيل المتوقع إلى المساهمة في رسم “صورة النصر” المنشودة لديهم، بأنها حاربت على جبهتين، لبنان وغزة، في التوقيت المناسب لها وبتحقيق الأهداف التي تريدها، ولم تنجر خلف مناوشات حزب الله، وفي الوقت ذاته لم تترك حماس دون خسائر كبيرة.
على الجانب الآخر، فإن حزب الله، وكذلك إيران، ليس لديهم نية- في الوقت الحالي- لتوسيع نطاق المواجهات مع إسرائيل.
وما يؤجح عدم وجود نية لدى إيران في التسرع برد قوي أو خطير هو أنها اتبعت ذلك سابقًا بعد اغتيال قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس الإيراني، والذي اغتيل بغارة أمريكية، ما يعني أن الرد على اغتيال العاروري، لن يكون مختلفًا كثيرًا.
كيف يتحرك قادة حماس بعد اغتيال العاروري؟
من المؤكد أن عملية اغتيال العاروري ستفرض متغيرات جديدة على تأمين حركة قيادات حماس في الخارج، خاصةً داخل لبنان لكونها الميدان الأضعف أمنيًا، والأكثر تهديدًا من جانب إسرائيل نظرًا للمناوشات شبه المستمرة مع حزب الله.
وقد تلجأ حماس إلى عرقلة الخطوات السياسية التي تتم من أجل إنهاء الحرب في غزة، والضغط على إسرائيل في الشروط الخاصة بإتمام صفقة تبادل أسرى ومحتجزين.
وستهدف عرقلة حماس لمثل تلك الخطوة إلى فرض مزيد من الشروط على إسرائيل، خاصةً أن الأخيرة بدأت العمل على تصعيد ملف استعادة محتجزيها من غزة لتخفيف ضغط الرأي العام على الحكومة الإسرائيلية الحالية.
هل ترد حماس الآن على اغتيال العاروري؟
استمرار الحرب في غزة لنحو 3 أشهر، والمراحل المتوقعة لإنهائها، يجعل الوقت الحالي لا يرجح فيه أن تتم عمليات بإطلاق رشقات صاروخية مكثفة من القطاع تجاه إسرائيل.
وكذلك، فإن سلوك حماس في الرد على عمليات الاغتيال لا يكون فوريًا في غالبية الأوقات، وهو الأمر الذي تتبعه الحركة بعد عمليات اغتيال مماثلة لكبار قياداتها مثل: الشيخ ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وأحمد الجعبري.
وكذلك، فإن إسرائيل نفذت عملية الاغتيال بالسلوك المتعارف عليه في عمليات الاغتيال ضد قادة الفصائل الفلسطينية، حيث إنها تستهدف قيادات الصف الأول لحماس.