صرخة مدوية جعلت النساء يخرجن إلى الشارع مع الرجال والأطفال، والجميع يهرولون ناحية مصدر الصوت، إذ وجدوا أنفسهم أمام سوبر ماركت لشخص يُدعى وليد، وأمامه زوجته منار تهيل التراب على رأسها
وهى تصرخ، وطفلة تحتضن جسد والدها والدماء تسيل منه، فيما يقول لهما: متخافوش، في الوقت ذاته سيارة الإسعاف تقطع ضجيج النّاس وتحمله إلى المستشفى، ووراءها تهرول الزوجة، ولكنها سرعان ما عادت
إلى منزلها في الوراق بالجيزة، بالخبر الحزين: جوزى مات، الكل يبكى حزنًا على الرجل الأربعينى الذي انهال عليه جاره بـ5 طعنات بـمطواة لعتابه إياه على رمى كيس قمامة أمام محله، بالاشتراك مع 2 آخرين.
بيدورو عليك مش لاقيينك
تتذكر منار زوجها المقتول غدرًا، على حد وصفها، فتبكى بحرقة عليه، لكنها سرعان ما تستوعب تواجد طفلتيهما، كبراهما 5 سنوات، إذ أخفت عليهما رحيله عشان روحهم فيه،
الابنة الكبرى تفتش أرجاء الشقة بحثًا عن أبيها، وتقف عند حجرة نومه: بابا جوة؟، تسأل أمها، وحين تفشل في العثور عليه، تطالبها مع أختها: كلمى بابا في التليفون
عايزينه، وتلطم خديها وتصرخ بأعلى صوتها: عيالك عايزين يكلموك يا وليد، بيدورو عليك مش لاقيينك، عيالك اتيتموا من بعدك بسبب بلطجى كان متربص لك، هددك مرة واتنين وقالك الدور عليك جاى.
الزوجة في حرقة قالت إن وليد حين تلقى الطعنات، احتضن طفلتيهما، وابتسم لهما، وقال لهما: راجع لكم تانى، فتمسح دموعها لتبدو متماسكة أمام الطفلتين، ولسان حالها يقول: مرجعش زى
ما وعدنا، وتجد نفسها في حيرة: العيال بتسألنى مش بابا راح المستشفى، هو كل ده مخفش لسة، وتبعد وجهها عنهما ولا تجيبهما، وتدرك أن ذاكرة الصغيرتين لا يزال محفورًا فيها مشهد سقوط
الأب على الأرض وسط بركة دماء، طلعنا البلكونة على حس الخناقة، وشفنا جارنا (عصام) بيضرب جوزى بـ(المطواة) في رقبته وبطنه وصدره ومعاه اتنين كمان كانوا مكتفينه، ونزلنا جرى نشوفه.
كل شوية كان يشتمه، ويطفش له العيال اللى شغالة معاه.. منار تقول إن المتهم عصام كان يضايق زوجها قبل الواقعة لأن جارنا ده كان بيتخانق في الشارع قبل كده، ودخل المحل عندنا عشان
ياخد أزايز مياه غازية يكسرها ويضرب بيها الناس، وجوزى رفض، ومن ساعتها وهو حاطه في دماغه، وقال له: (الدور عليك جاى)، قبل أن تضيف: ما أشعل الغل بصدر الجار أنه ألقى كيس قاذورات
أمام محلنا، وعاتبه زوجى، فاستغل الموقف، ونفذ تهديده، يقوم يديه 5 طعنات، ويموته، ويحرم عياله ومراته وإخواته الاتنين منه، وتدمع عيناها وهى ترددها وتستنكر نهايته المأساوية.
هعمل لك أحسن فرح
يا بابا جعانين تعالى مستنيينك.. طفلتا وليد تقولان كأنهما تعاتبان الأب على غيابه، وزوجته تحكى أنها لما توجهت إلى المستشفى معه رجعت من غيره، ومن حينها مش عارفة أقول للعيال إيه، وتجهش باكيةً: مش عارفة أقول لهم إنك مشيت يا حبيبى.
الحزن لم يمزق قلب الزوجة وحدها، فشقيقا المجنى عليه لا يستوعبان مقتله، حيث كان يُعد لهما أبًا وأمًّا، ويقول الأخ: اتولدنا يتامى، وأخويا ده اللى ربانا لحد ما كبرنا، وفرحى كان بعد شهر، وجهز معايا الشقة، وكان بيقولى: (ما تحملش همّ حاجة.. هعمل لك أحسن فرح.. وهجيب لك أحسن أثاث)، واتصدمت برحيله قبل زفافى، فرحى تحول لكابوس، كأن مكتوب علينا الحزن.
مكانش لينا غيره في الدنيا
لا يختلف حال أخت وليد، البنت التي كان يتمنى أن يراها عروسًا في الكوشة، والتى لطالما قال لها: عايز اطمن عليكى وانتى في بيت ابن الحلال، فما حدث للأخ جعلها تعتزل النّاس لفرط حزنها على الضهر والسند.. وتشير زوجة الضحية بعودتها إلى الحديث: مكانش لينا غيره في الدنيا، سابنا ومشى.
أهل المنطقة خافوا فض المشاجرة بين عصام وصاحب السوبر ماركت، إذ يقولون إن الأول معتاد البلطجة وحمل السلاح والكل يخاف أذاه، ويشيدون بحسن أخلاق المجنى عليه: محدش شاف منه حاجة وحشة، فيما تواجد قوات الأمن بكثافة بالمكان محل الجريمة، بعد القبض على المتهم الرئيسى وآخر.