فى 25 أبريل الجارى تحل الذكرى 42 لتحرير سيناء، الذى لم يكن يتحقق دون بذل أبناء ورجال مصر المخلصين دماءهم فى سبيل هذه الأرض الطاهرة، وخوض رحلة طويلة وشاقة لاستعادتها من جديد، بعد أن اغتصبها العدو الغاشم فى يونيو 1967.
ولم يكن تحرير سيناء وليد هذه اللحظة فحسب، بل مر بالعديد من المحطات المهمة، بداية من حرب «الاستنزاف»، مرورًا بالانتصار العظيم فى السادس من أكتوبر، بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حتى الوصول إلى سلاح المفاوضات، الذى أسفر عن عودة أراضى سيناء إلى أهلها، فى أبريل 1982.
اُحتلت سيناء فى 1967، مع غيرها من الأراضى العربية آنذاك، لكنها عادت وحدها، ليبقى الانتصار الذى حققه المصريون كابوسًا يطارد العدو الإسرائيلى، ورغبة لا تموت بداخله فى إعادة الكرة من جديد، لكن رجال مصر وجنودها يقفون حائلًا وسدًا منيعًا أمام تحقيق هذا الحلم بعيد المنال.
وتأتى ذكرى تحرير سيناء هذا العام بالتزامن مع تحدٍ أكبر، بعدما أصبح واضحًا للعالم كله رغبة إسرائيل فى تهجير أهالى غزة إلى سيناء، لتكون وطنًا بديلًا لهم، وهو ما وقف الرئيس السيسى أمامه بكل قوة، متعهدًا بالتصدى لكل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر القومى، خاصة فى سيناء، وهو ما يتحدث عنه عدد من الخبراء فى السطور التالية.
لواء محمود زهر: لولا «6 أكتوبر» لما وصلنا إلى «25 أبريل».. ونحن لا نفرط فى أرضنا
على الرغم من أهمية الاحتفال بـ25 أبريل من كل عام، باعتباره إحياءً لذكرى تحرير سيناء، يرى اللواء محمود زاهر، الخبير العسكرى، أنه لا يمكن اختزال تحرير سيناء فى ذكرى هذا اليوم فقط، معتبرًا أن التحرير الأكبر والرئيسى جرى فى السادس من أكتوبر 1973، والانتصار العظيم الذى تحقق فيها، واسترداد مصر المساحة الأكبر من سيناء.
وأضاف «زاهر»: «ذكرى 25 أبريل تعبّر عن اليوم المكمل لما حدث من انتصار فى حرب أكتوبر، بعدما خرج فيه آخر جندى إسرائيلى من أرض سيناء، بما أكمل استرداد مصر كل أراضيها، ما عدا مدينة طابا، التى جرى
استردادها عن طريق اللجوء إلى التحكيم الدولى عام 1989، الذى استطاعت الدولة من خلاله تقديم كل ما يثبت أحقيتها فى هذه المدينة، حتى نجحت فى استعادتها مرة أخرى، لتسترد بذلك كل شبر من أراضيها دون أى تفريط».
ونبّه إلى ضرورة توعية المواطنين، خاصة الأجيال الجديدة، بالحقائق التاريخية العسكرية الخاصة بهذا الوطن، تجنبًا لخلط الأوراق، وسعيًا للوصول إلى الحقيقة المهمة، وهى عظمة الجيش المصرى وجنوده.
وواصل: «ينبغى على الجميع معرفة بسالة جنود الجيش المصرى فى الدفاع عن أرض الوطن، وتضحياتهم فى سبيل ذلك بأرواحهم، كما حدث فى حرب السادس من أكتوبر، التى تعتبر مثالًا حيًا على هذه البسالة والتضحية، ولا تزال تُدرس فى كبرى الجامعات العسكرية وكليات السياسة حول العالم حتى الآن».
جمال رائف: الرئيس صنع عبورًا جديدًا بدحر الإرهاب وتنمية «أرض الفيروز»
رأى جمال رائف، الكاتب والباحث السياسى، أن عيد تحرير سيناء شاهد على أن الدولة المصرية استطاعت أن تحقق نصرًا عسكريًا وسياسيًا، وأيضًا قضائيًا، على الجانب الإسرائيلى.
وأوضح «رائف»: «استطاعت مصر أن تستخدم كل مفردات القوة لاسترداد الأرض، وهذا فى الحقيقة يؤكد عظمة وقوة الدولة التى قدمت تضحيات كبيرة لتحرر الأرض.. هذه ذكرى عطرة».
وأضاف: «الذكرى هذا العام تأتى فى توقيت بالغ الأهمية، تواجه فيه الدولة عددًا من التحديات التى هى نتاج التغيرات الإقليمية واشتعال الموقف السياسى فى المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بالتوازى مع خطة مصر للإعمار والتنمية فى سيناء، التى تشهد طفرة تنموية كبيرة للغاية تعد بمثابة العبور الثانى إلى سيناء أو ما يعرف باسم الجمهورية الجديدة».
وتابع: «تنمية سيناء تساعد فى الحفاظ على الأمن المصرى، لذلك حرص الرئيس السيسى منذ اليوم الأول لتوليه مهمة إدارة البلاد على تطهير سيناء من الإرهاب ودحر فلول التطرف، وتنمية وإعمار سيناء، سواء على صعيد البنية التحتية بإنشاء المدارس والمستشفيات، أو المشروعات مثل ميناء العريش».
وأكد: «نحن نتحدث عن عبور أول نفذه الآباء والأجداد، وعبور ثانٍ يتمثل فى الحفاظ على مقدرات الوطن ينفذه الآن رجال مصر المخلصون».
لواء علاء عزالدين: جلسنا على مائدة المفاوضات بعد تلقين العدو درسًا عسكريًا
قال اللواء الدكتور علاء عزالدين منصور، المدير الأسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، إنه بينما يثبت نصر أكتوبر 1973 قدرة مصر على انتزاع حقها بالقوة، يثبت ما حدث فى 25 أبريل 1982 قدرة مصر على انتزاع حقها من خلال المفاوضات والطرق السياسية المختلفة.
وأضاف «منصور»: «مصر لم تكن يومًا تسعى إلى حرب، ودخولها الحرب يعنى استنزافها كل سبل التفاوض والسياسة مع الطرف الآخر، وهو ما حدث بالفعل مع إسرائيل، قبل يوم السادس من أكتوبر 1973، لذا كان دخول هذه الحرب ضروريًا».
وواصل: «عندما طلبت مصر الجلوس على طاولة مفاوضات لاسترداد حقها من إسرائيل بطرق سلمية، قال هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى حينها، إن مصر لا تملك ما يجبر إسرائيل على فعل ذلك، لذا كان قرارنا الحاسم بخوض الحرب ضد إسرائيل، لتكون درسًا قويًا وصفعة على وجه هذا العدو».
وتابع: «بعد نجاح مصر فى توجيه هذه الصفعة للعدو الإسرائيلى تحولت رغبته، وقبِل الجلوس على طاولة المفاوضات، تجنبًا لوقوع خسائر إضافية فى صفوفه، وهو ما استجابت له مصر، ثم نجحت فى التفاوض ببراعة لا تقل عن نجاحها القتالى، لتخلّص كل شبر من أراضيها من يد العدو بكل السبل الممكنة، وليصبح 25 أبريل مكملًا لنصر أكتوبر المجيد».
محمود منصور: عشنا منافسة قوية بين الجنود فى الفنون القتالية المتعددة قبل العبور
أعرب اللواء محمود منصور، قائد إحدى سرايا الصاعقة فى حرب 1973، مؤسس المخابرات العامة القطرية، عن فخره كونه أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة التى انتهت باسترداد الأرض والكرامة، 25 أبريل 1982، واصفًا لحظات التحاقه بالكتيبة 163، قبل حرب 1973، بأنها مفاجأة سارة كونها كانت كتيبة تتميز بروح الانتماء العالية والواضحة الصريحة داخل نفس كل جندى فيها.
وأضاف أن هذه الكتيبة كانت تتميز برغبة شديدة فى محو آثار هزيمة حرب 1967، لافتًا إلى أن كل ما جرى ترويجه من تفسيرات لهزيمة حرب 1967 افتراءات وأكاذيب على القوات المسلحة
المصرية، روّجتها الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية، ومخطط غدر واضح تسبب فى إصابة الجنود بحزن عميق لما شعروا به من ظلم، وهو ما جعل رغبتهم فى
الانتقام من العدو تتضاعف، كما ازدادت معها رغبتهم فى إثبات بسالة جندى القوات المسلحة فى دفاعه عن أرضه وعدم تهاونه لحظة فى سبيل ذلك أمام الشعب المصرى أولًا، وباقى العالم ثانيًا.
وتابع أنه من هنا كانت لدى أفراد الجيش المصرى رغبة جارفة فى الدخول فى الحرب والانتصار فيها واسترداد أرضهم من أيدى العدو، موضحًا أن أفراد كتيبته كانوا يتميزون بثقتهم الكاملة فى أنفسهم وفى قادتهم.
وأوضح أن أبرز عوامل ثقة الجنود المصريين فى أنفسهم ويقينهم بأن الله سينصرهم فى حرب 1973 التهيئة المعنوية والثقافية داخل الوحدات العسكرية للجنود التى نفذها الجيش المصرى، مضيفًا أنها كانت مؤثرة تأثيرًا قويًا على
الجنود وعلى مدى استعدادهم للتضحية والاستبسال فى الدفاع عن الوطن وسمعة مصر والمصريين، مشيرًا إلى أنه يتذكر أفراد فرقته وقد كانوا لا يكلون أو يملون من كثرة التدريبات التى استمرت على مدى عدة أشهر وقت انتظار الحرب.
وذكر اللواء «منصور» أنه كانت هناك منافسة قوية بين الجنود فى الفنون القتالية المتعددة داخل الفرقة، مثل الرماية وغيرها، كما كانت بينهم منافسة فى الانضباط العام، ما دفعه إلى إجراء مسابقة أسبوعية حينذاك
بين أعضاء الفرقة لمن يقرأ كتابًا عن الحرب أو كتابًا يتعلق بالأمن القومى، ويعود إلى الفرقة لتقديم ملخص كامل عنه يفيد به الجنود الآخرين، كنوع من أنواع تنمية الثقافة العسكرية لدى الجندى استعدادًا لخوض الحرب.
وتابع أنه كان يحث الجنود، كذلك، على مشاهدة الأفلام الأجنبية العسكرية، والإتيان بملخص لها لإفادة جميع أعضاء الفرقة، بهدف فهم التكتيك الحربى للعدو وأنصاره، مثل الولايات المتحدة، باعتبار أن الأفلام تشرح جزءًا كبيرًا مما يحدث فى الواقع ويمكن أن تفيد فى جمع المعلومات عنه.
وأوضح أنه كان يمنح لكل من يسرد ملخصًا لكتاب أو فيلم عسكرى لفرقته جائزة عبارة عن إجازة يومًا إضافيًا للجندى مع مبلغ صغير من المال يكفيه مواصلاته.
كما أشار إلى أنه بين استعدادات الحرب كذلك، وبهدف استرداد أرض سيناء كاملة، تمت إضافة مواد دراسية أخرى للفرق العسكرية غير المقررة فى هيئة التدريب العسكرى التى يدرسها الجندى وقتها، ومن بين هذه المواد مادة
الطبوغرافيا التى تهتم بالتدقيق فى علم الجغرافيا، كمعرفة أسباب تغير التوقيتات بين الدول تفصيلًا، وكيفية التصرف فى حال التيه فى صحراء بلا بوصلة وحساب الاتجاهات والمسافات، ما يؤهل الجندى للتصرف فى أى وضع يُفرض عليه.
وأكد أنه جرت دراسة جميع تفاصيل الجيش الإسرائيلى حينها، وإطلاع الجنود، لحظة بلحظة، على آخر التطورات التى تحدث فى صفوفه، وكذلك الاهتمام بكل التفاصيل التى قد تتسبب فى نجاح
الحرب لصالح مصر حتى ولو كانت تفاصيل بسيطة، وضرب مثالًا بتوصل الجيش المصرى حينها لحقيقة أن بودرة نبات الشطة تتسبب فى توقف نباح الكلاب البوليسية التى يستخدمها الجيش
الإسرائيلى، وبالتالى يمكن مباغتته وضربه إذا ما استُخدمت، وهو ما تم بالفعل لتصبح فى النهاية ذكرى تحرير سيناء من أهم ذكريات النصر والبطولة فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ الأمة العربية بالعصر الحديث.
طارق فهمى: الدولة تكمل معركة التعمير بعد القضاء على التنظيمات التكفيرية
أكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما حدث فى سيناء لم يكن فقط حربًا عسكرية ومعركة تمكنّا فيها من استعادة الأرض، وإنما تبعتها حرب أخرى للقضاء على الإرهاب وحرب تنمية،
لتصبح الآن سيناء خالية من الإرهاب والاحتلال معًا. وأضاف أن الدولة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى نفذت عددًا كبيرًا من مشروعات التنمية، منها مشروعات البنية التحتية والأنفاق، وكذلك مدينة رفح
الجديدة، مشيرًا إلى أن معركة البناء هذه ما كانت لتكتمل لو لم تبذل مصر مجهودًا كبيرًا للقضاء على الإرهاب والمنظمات التكفيرية، فهذا مجهود كبير بذله رجال الجيش والشرطة بتوجيهات من القيادة السياسية، ولا يمكن إنكاره.
وأكد: «الأجيال الجديدة تقف على أرض صلبة، ومن ثم يجب أن يعرفوا جميعًا المجهود الكبير والثمن الذى دفعته مصر مقابل استرداد سيناء، فمصر خاضت حربًا أولًا، ثم بالسياسة والسلام استعادت كامل الأرض، فى الوقت الذى يعانى فيه عدد من الدول العربية الشقيقة حتى الآن من الاستمرار تحت رحمة الاحتلال».
وتابع: «هناك عدد من النقاط لا بد من التركيز عليها، منها أن المشروعات التى نفذتها مصر تقلق الجانب الإسرائيلى، خاصة الأنفاق أسفل قناة السويس، ومدينة رفح الجديدة»، مشددًا على اهتمام القيادة السياسية بسيناء على عكس عدد من الرؤساء السابقين، فالرئيس السيسى يعمل على ملف سيناء بشكل جديد، وهذا ليس غريبًا على رجل ذى خلفية عسكرية فى المقام الأول.
ولفت إلى اهتمام الدولة بمشروع إعادة إعمار سيناء بالكامل، والوجود القوى لجميع جنودنا المصريين فى أرجاء سيناء، هذا الوجود الذى يتهم المجتمع الإسرائيلى نتنياهو بأنه السبب وراء حدوثه، واعتبروا ذلك اختراقًا لبنود معاهدة السلام.
وأكد ضرورة تحصين سيناء من المخططات الإجرامية التى تفكر فيها إسرائيل، التى أصبحت معروفة بالفعل، ومنها تهجير أهالى فلسطين إلى سيناء.