25ساعة منحها السير مجدى يعقوب من وقته لاثنين من الصحفيين فظهرت للنور أول سيرة ذاتية معتمدة لجرّاح القلب الأسطورى. حتى مع بلوغه 88 سنة، ظلّ ملك القلوب مترددًا فى رواية سيرته الذاتية، لقد كان يرى أن هذا إضاعة للوقت؛ وهو أمر ليس غريبًا على رجل يعمل بكامل طاقته وهو على مشارف التسعين، يستحوذ الطب والعلم على جلّ وقته، ويتحرك بحيوية ونشاط مُذهلين.
جرّاح ومتمرد: حياة مجدى يعقوب وأعماله الرائدة هو عنوان الكتاب الذى صدر فى عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وصدرت قبل أيام الترجمة العربية له عن الدار المصرية اللبنانية بترجمة أحمد شافعى بعنوان جرّاح خارج السرب.
مؤلفا الكتاب هما سيمون بيرسن وفيونا جورمان، وهما زوجان شكّلا فريقًا ثنائيًا من الكتّاب، ويعيشان فى لندن ولهما ثلاثة أبناء. عمل سيمون وفيونا فى صحيفة التايمز لنحو 30 عامًا، كان سيمون بيرسن رئيس التحرير المسائى لـالتايمز من مايو 2007 حتى نوفمبر 2013، والآن يعمل صحفيًا مستقلًا من المنزل وله 3 كتب، ومحررا لقسم النعايا فى الجريدة. أما فيونا جورمان فتكتب فى مجالات عدة منها الصحة العقلية.
جرى هذا الحوار مع سيمون بيرسن عن بُعد، حول أول مذكرات لجرّاح القلب المصرى العالمى السير مجدى يعقوب؛ طبيب الفقراء والمشاهير، صديق الأميرة ديانا وعمر الشريف، الرجل الذى يعشق السيارات السريعة وزراعة زهور الأوركيد، ويبدو جادًا لكن يتمتع بخفّة ظل مصرية ويحب إلقاء النكات.
مؤلفا الكتاب مع السير مجدى يعقوب فى أسوان مارس 2023- بإذن خاص من سيمون بيرسن
■فى مقدمة الكتاب، وصفت مجدى يعقوب كالتالى: عاش يراكم المعرفة مثلما عاش كثيرون غيره يراكمون الثروة.. من خلال قربك منه أثناء العمل على الكتاب، كيف ينظر يعقوب إلى الثروة والشهرة؟
– يعرف كيف يستفيد من شهرته، وقد استغلها فى السنوات الأخيرة لخدمة أهداف مؤسسته الخيرية؛ كما فعل الشيء نفسه بماله الخاص وهو بلا شك رجل كريم.
اعتنى يعقوب بأسرته جيدًا، حيث تلقى أطفاله تعليمًا خاصًا فى إنجلترا، كما يستمتع بالأوبرا، ويدلّل نفسه بشراء بعض السيارات الجميلة على مرّ السنين، لكنه بشكل عام يعيش حياة بسيطة إلى حدٍ كبير، ولا يحرّكه المال إلا إذا كان لخدمة أعمال مؤسسته.
■ احكِ لنا تفاصيل لقائكما الأول وجهًا لوجه مع يعقوب؛ هل كان ذلك فى أسوان أم لندن أم فى مكان آخر؟ نعلم أنكما التقيتما به عبر Zoom أكثر من مرة خلال فترة كوفيد-19
الدكتور مجدى يعقوب
– التقيت – أنا وفيونا – يعقوب لأول مرة فى منزله بقرية هارفيلد بلندن فى نهاية يوليو 2020 عندما تخفف هذا المكان الريفى لفترة وجيزة من القيود التى فرضتها الجائحة. سافرنا بالسيارة إلى هناك ونحن نستمع إلى تسجيل لبرنامج إذاعى لهيئة الإذاعة البريطانية يحمل اسم Desert Island Discs والذى تضمّن مقابلة معه حول حياته.
عندما وصلنا إلى شقة مجدى، جلسنا على طرفيْن متقابليْن فى غرفة معيشته لتقليل أية مخاطر لفيروس كورونا، كما أجرينا العديد من مقابلاتنا على برنامج Zoom، ولم نتصافح حتى التقيناه فى القاهرة فى ربيع عام 2023
غلاف الكتاب
■ لماذا اخترتما أسلوب تعدد الأصوات، بحيث لا يكون بطل القصة هو المتحدث الأوحد. هل هذا لأنك أنت وفيونا تعملان كصحفييْن وتهتمان بالصحافة الاستقصائية، حتى عند الكتابة عن شخص لا تثير سيرته الجدل على الأرجح؟
– كان مجدى مترددًا منذ فترة طويلة فى الموافقة على نشر سيرته الذاتية حتى أقنعته ابنته ليزا بهذا فى سن الشيخوخة. كان يفضّل التركيز على عمله بدلًا من رواية قصته.
لقد تصوّرنا أن السيرة الذاتية التى نعتمد فيها على أصوات متعددة ستكون أكثر ثراءً وتضم مستويات أكثر تعددًا، بالمقارنة بسيرة ذاتية نكون فيها كُتّابًا فى الظل لرواية قصته، وهو ما لم يكن يريده.
منذ البداية، أصررنا على أن يكون الكتاب سيرة ذاتية قوية، تسجِّل الفشل والنجاح والنقد والثناء. أجرينا العديد من المناقشات حول المحتوى مع مجدى وليزا، اللذين قرآ كل فصل واقترحا تغييرات أثناء كتابته.
باعتبارها سيرة ذاتية معتمدة، فهذا أمر عادى، لكن بعض المناقشات كانت شديدة الصعوبة. التزم مجدى بما اتفقنا عليه فيما يتعلق بالمحتوى، ونعتقد أن الكتاب قوى لأنه يعالج عيوبه، ومميز لأنه يقوم على أصوات متعددة بدلاً من صوت واحد فقط.
الدكتور مجدى يعقوب مع الأميرة ديانا والفنان عمر الشريف
■ أخبرنا بسر آخر عرفته عن يعقوب أو صفة فاجأتكما ولم تذكراها فى الكتاب، بخلاف شغفه بالسيارات السريعة وزراعة الورود.
– من الأمور التى فاجأتنا أن مجدى يعتقد أن الأميرة ديانا كانت ذكية للغاية وكان من الممكن أن تكون عالِمة. رغم جمالها وسحرها، لم يُنظر إلى ديانا أبدًا فى بريطانيا باعتبارها صاحبة ذكاء مثير للإعجاب، لكن مجدى كان يعتقد حقًا خلاف ذلك وأخبرنا ببعض الحكايات المثيرة للاهتمام لدعم وجهة نظره.
■ يحب البروفيسور زراعة زهور الأوركيد، ونعلم أن مواطنًا إنجليزيًا أنتج زهرة أوركيد بيضاء هجينة ذات قلب أحمر وأطلق عليها اسم مجدى يعقوب. هل لفت انتباهكما التشابه بين كونه يزرع القلوب ويزرع الأوركيد؟ وكأنه يزرع الحياة فى الحالتين.
– لم نكن نعرف شيئًا عن زهرة الأوركيد ذات القلب الأحمر، لذا شكرًا لك على إخبارنا بهذا.
جمال زهرة الأوركيد وتعقيدها لا يختلف عن جمال القلب وتعقيده. كلاهما لا يمكن رعايته إلا من خلال الاهتمام الدقيق، لذا فمن المناسب أن تتوافق عواطفه الخاصة والمهنية بهذه الطريقة.
الدكتور مجدى يعقوب مع الأميرة ديانا
■ملكة القلوب من أطول فصول الكتاب، تركزان فيه على علاقة مجدى يعقوب بأميرة ويلز السابقة ديانا. هل كانت ديانا بحاجة إلى شخص صالح مثل يعقوب بعد تجربة الانفصال عن الأمير تشارلز؟
– نعتقد أن مجدى والأميرة التقيا فقط بسبب اهتمامها بكبير مسجِّلى يعقوب حسنات خان، لكن ديانا بلا شك وجدت دعمًا من عائلة يعقوب فى وقت شعرت فيه بالوحدة والضياع.
يبدو أن أعمال مستشفى هيرفيلد قد منحتها إحساسًا بوجود هدف لحياتها، وأصبحت صديقة مخلصة لعائلة يعقوب. كانت تعتاد زيارة منزل العائلة فى إيلينج بغرب لندن فى أمسيات الأحد لتناول العشاء، وتقود سيارتها إلى هناك بنفسها دون حماية الشرطة، وتعرّفت على جميع أفراد العائلة.
ومما لا شك فيه أن مجدى وعائلته دعموا الأميرة ديانا فى هذا الوقت من العام الذى سبق وفاتها، كما دعمت الأميرة عمل مجدى ومؤسسته الخيرية سلسلة الأمل، وكانت علاقتهما متبادلة وصادقة.
الدكتور مجدى يعقوب
■ هل فكرت لماذا لم يحصل مجدى يعقوب على جائزة نوبل فى الطب؟
– لقد ناقشنا هذا فيما بيننا عدة مرات، ولكن فى الحقيقة لم نتوصل إلى الإجابة.
■ هذا هو كتابك الثالث فى السير الذاتية، ونحن نعرف كتابك المهم الهارب العظيم (سيرة ذاتية جديدة لقائد سرب القوات الجوية الملكية روجر بوشل، مُخطط عملية الهروب الكبير مارس 1944 من معسكر شتالاج لوفت 3 النازي).. هل لديك وفيونا مشاريع أخرى تعملان عليها الآن؟ أو اسم تريد أن تكتب سيرته الذاتية يومًا ما؟
– فى الوقت الحالى، أكتب الكثير من مقالات النعى لصحيفة التايمز حيث أعمل صحفيًا مستقلًا من المنزل، ولا أحضّر لكتاب آخر حاليًا؛ لكن هذا قد يتغير. قد أجرّب الكتابة الخيالية فى المرة القادمة. أما عن فيونا، فقد انتهت للتو من تحرير مذكرات كتبها أحد زملاء مجدى يعقوب.
الدكتور مجدى يعقوب
■ لا أريد أن أفوّت فرصة سؤالك عن الصحافة. هل تعتقد أن غرف الأخبار فى الصحف لا تزال تتمتع بنفس الألق والمكانة؟ كيف تنظر إلى حاضر الصحافة ومستقبلها بشكل عام؟
– لقد مرت بضع سنوات منذ أن عملت أنا أو فيونا بشكل منتظم فى غرفة الأخبار بصحيفة التايمز، لذا فنحن لسنا على علم بكيفية سير الأمور هناك؛ لكننا نعلم أن الصحافة تتغير بطرق لا تعد ولا تحصى.
نعتقد أن بعض غرف الأخبار- صحيفة فاينانشيال تايمز فى بريطانيا، على سبيل المثال- لا تزال تتمتع بمكانة هائلة، ولكن سلطة غرف الأخبار الأخرى- صحيفة ديلى تليجراف، على سبيل المثال- تلاشت لأن صحافتها أقل صرامة ولأن الرأى السياسى قد أصاب قصصها الإخبارية وخاصة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
ومع ظهور الأخبار على الإنترنت على مدار الساعة، يبدو أن بعض الصحف والمجلات أصبحت مهتمة بوصول الخبر أكثر من محتواه، ويبالغ البعض الآخر فى قيمة المواد المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعى. كما أدى ظهور المواطنين كصحفيين على هواتفهم الذكية إلى تعقيد المشهد، فلم يكن تأثيرهم إيجابيًا دائمًا.
لا يمكن الوثوق إلا بعدد قليل من المنافذ الصحفية، وغالبًا ما يكون من الصعب الحصول على فكرة حقيقية عن الحقيقة. لكن التكنولوجيا أيضًا تجعل من الصعب على الأشرار من السياسيين أو المثقفين أو المجرمين الاختباء. لدينا فرص لخدمة قضية الصحافة الجيدة، ولكن يجب علينا أيضًا أن نرفع حذرنا من التعرض للخداع.
نحن ندرك أن المشهد بالنسبة لك كصحفى فى مصر يختلف عن المشهد بالنسبة لنا كصحفيين فى المملكة المتحدة، ولكن ربما تنطبق بعض هذه العوامل علينا جميعًا.
■ أخيرًا، صِف مجدى يعقوب فى فقرة لم تكتبها فى كتابك.
– مجدى يعقوب رجل مثير للاهتمام وغير عادى. ليس هناك الكثير من الرجال أو النساء الذين يعملون بدوام كامل فى سن الثامنة والثمانين ويسعون لتحقيق طموحاتهم فى سن الشيخوخة بنفس القوة التى سعوا بها فى شبابهم. إنه رجل متواضع،
لكنه قوى العزيمة يحب أن يشق طريقه بنفسه. يبدو صارمًا للوهلة الأولى، لكنه يضحك كثيرًا ويحب مشاركة النكات مع الأصدقاء. لقد كان لسنوات عديدة مترددًا جدًا فى إضاعة الوقت فى كتابة سيرته الذاتية، لكنه يحب سرد القصص عن حياته.
غلاف الكتاب