تحل اليوم الذكرى السادسة بعد المائة، لميلاد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث ولد بمنتصف يناير عام 1918 بمدينة الإسكندرية لعائلة صعيدية تنحدر من أسيوط وكان والده موظفا بمصلحة البريد.
ودرس جمال عبد الناصر لعدة أشهر في مدرسة الحقوق، ثم التحق بالمدرسة العسكرية الملكية وتخرج منها كملازم ثان، وشارك في حرب فلسطين والتي وصفها في يومياته بأنها “شر وقد لا يكون من الشر بد في بعض الظروف”، ولو أصبح الأمر بيده في يوم من الأيام، لتردد كثيرا قبل أن “يدفع شباب مصر إلى ساحات اللهب”، إلا أن يكون ذلك ضروريا دفاعا عن حق أو دفاعا عن شرف، وذلك بحسب ما نشرته مجلة “آخر ساعة” عام 1955.
ومن بين أشد الأيام وأقسى التجارب التي عاشها ناصر في حرب فلسطين كان حصاره بالفالوجة، وروت زوجته السيدة تحية عبدالناصر، تفاصيل والمشاعر والأجواء التي عايشوها وقتها وذلك ضمن فصول كتابها “ذكريات معه” الصادر عن “دار الشروق”.
* انقطعت الخطابات
تقول السيدة تحية: “رجع عبد الحكيم عامر من فلسطين إلى القاهرة، وكان قد سافر أيضًا وجرح في يده وأخذ إجازة فذهبت لزيارة عائلته فقابلني وقال إن جمال الحمد لله بخير وبصحة جيدة وكان عبد الحكيم رقي أيضًا إلى رتبة يوزباشي وأخبرني أن جمال سيحضر إن شاء الله قريبا في إجازة، وكان عيد الأضحى اقترب وكنت أول مرة أرى فيها عبد الحكيم عامر ويصافحني ويتحدث معي”.
وتضيف: “حلَّ عيد الأضحى وانتهى ولم يحضر جمال، وكانت الخطابات تصلني إلا أنها أصبحت على فترات أطول عما قبل، ولم يذكر لي ميعاد حضوره في إجازة.. فكنت قلقة أقرأ الجرائد وأسمع الراديو”.
وتكمل: “طلبت من شقيقتي أن تسأل زوجها فأخبرها بأنهم الآن في مكان بعيد مقطوع عنه الاتصال، ولا توجد قطارات تذهب إلى هناك”.
* الصدمة
وعن الموقف الذي استقبلت به تحية عبد الناصر الخبر الصادم، تقول: “قبل سفر جمال أعطاني شيكات لصرف مرتبه من بنك مصر وفي خطاب بتاريخ 17 أكتوبر 1948 قال «إني حولت لحسابك بالبنك الأهلي مبلغا شهريا يمكن استلامه في أول ديسمبر وأرجو أن
تكوني مطمئنة ولا تنشغلي إلا بنفسك وهدى ومنى وهذا هو طلبي منك وأرجو أن آراكم إن شاء الله قريبا في أحسن حال». وأنا ذاهبة للبنك الأهلي قابلتني سيدة جارة لشقيقتي فسلمت عليّ وسألتني: هو زوجك لسه في الأسر؟ هذا ما قالته لي بالحرف”.
وتصف شعورها: “فذهلت وقلت لها إنه ليس أسيرًا، إنه في مكان بعيد. وطبعًا حالتي كانت صعبة جدًّا. مكثت في البيت وأنا في منتهى الحزن، وكانت جارتي التي تسكن تحت مسكننا ابنة رئيس هيئة أركان حرب الجيش في ذلك الوقت، وهو عثمان باشا المهدي
فسألتها عن جمال، وقالت سأسأل بابا وأطمئنك وبعد أيام وجدتها تطرق الباب في الصباح، وكنت لا أزال نائمة فقمت وفتحت الباب، ورأيت معها مجلة المصور وقالت ها هو ذا زوجك الصاغ جمال عبد الناصر في صورة مع عدد من الضباط في الفالوجة.. فعرفت بحصار الفالوجة”.
* ضباط الفالوجة بخير
وتابعت: “زارتني جارتي في مساء يوم من شهر فبراير سنة 1949، وقالت اليوم عيد ميلاد ابني فلتحضري ومعك هدى ومنى، وأصرت على أن أنزل عندها وقالت لا يوجد عندي غير شقيقتي التي تصغرني. فشكرتها وذهبت ومعي هدى ومنى”.
وواصلت: “قابلت هناك والدها رئيس هيئة أركان حرب الجيش، فطمأنني وقال إن ضباط الفالوجة بخير، ويرسل لهم أسلحة وذخيرة وتموينا، وإن شاء الله يحضرون قريبا”.
* تليفون من العريش
في أول مارس سنة 1949 اتصل جمال بالتليفون، وقال إنه موجود في العريش وسيحضر في خلال أسبوع.. وطلب أن أذهب لأخي في الصباح ليكلمني.. فكانت الفرحة العظيمة، وذهبت وكلمني جمال وسألني عن هدى ومنى ووالده وأشقائه وقال أريد أن أكلم الوالد غدا.. فذهب معي لأخي وكلم جمال وكانت فرحتنا لا تقدر وقال لي سأكلمك كل يوم في نفس الموعد حوالي الثامنة صباحًا حتى أحضر”.
* سلامة الوصول
وفي مساء يوم 6 مارس سنة 1949، حضر جمال من الفالوجة.. وكانت الفرحة التي لا أقدر أن أعبر عنها، وكان أشقاؤه قد حضروا من إسكندرية. وعند وصوله عرف الجيران والناس في المحلات القريبة من منزلنا.. والكل كان يعرف الفالوجة والحصار ويريد أن يصافح العائدين منها ويحييهم.. فكانت هيصة أمام البيت.