سَارَعْتَ فِي الرَّحِيلِ وَفَارَقْتَنَا دُونَ وَدَاعٍ لِأَنَّكَ عِشْتَ غَرِيبًا فِي
هَذَا الْعَالَمِ. لَدَيْكَ الْوَعْيُ وَالرُّؤْيَةُ اللَّذَانِ اصْطَبَغْتَ بِهِمَا إِزَاءَ التَّشَوُّقِ للسما وَارْتِقَاءِ الْمَصَاعِدِ عَلَى دَرْبِ الْآبَاءِ. فَصَارَتْ عِنْدَكَ خِبْرَةُ الْعِيَانِ ، إِذْ لَا فَرْقَ عِنْدَكَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْآتِي ، بين الاني وَاسْتِبَاقِ مَجْدِ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ.
حَقًّا إِنَّكَ مِنَ الَّذِينَ عَاشُوا فَوْقَ كُلِّ انْتِظَارٍ وَبِلَا انْتِظَارٍ! لِأَنَّكَ تَحْيَا الرَّجَاءَ كَمَسِيحِنَا الْفَقِيرِ الْأَبَدِيِّ، الَّذِي مَسَحَ حَيَاتَكَ بِالْهُدُوءِ وَالْوَدَاعَةِ ، والصوت الهين .
غَائِبًا فِي حُضُورِكَ، وَحَاضِرًا فِي غِيَابِكَ كَالنَّسِيمِ، مُتَطلعا نحو الْخَيْرَاتِ الْمُعَدَّةِ ، لتَدَّخِرُهَا هُنَا مِنَ الْآنَ. الْحَقِيقَةُ أَيُّهَا الدُّكْتُورُ (جُورْجُ) أَنَّكَ كُنْتَ حَقًّا لَاهُوتِيًّا
لِأَنَّكَ عِشْتَ مَا دَرَسْتَهُ وَعَمِلْتَ بِمَا قُلْتَهُ ، فَالطُّوبَى لِمَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ! لَقَدْ صِرْتَ أَيْقُونَةَ اللَّاهُوتِيِّ الْقِبْطِيِّ الْمُعَاصِرِ ، مُحَقِّقًا مَا فِي السَّمَاوَاتِ لِيَكُونَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ.
حَيِيتَ كَأَنَّكَ أَبَدِيٌّ، وَعَلَى الرَّجَاءِ سَعَيْتَ عَارِفًا هَادِئًا ؛ مُرْتَحِلًا صَاحِيًا؛ مُنْجِزًا مُعَلِّمًا؛ كَاتِبًا مَاهِرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ،
فَأَخْرَجْتَ مِنْ كَنْزِكَ جُدُدًا وَعُتَقَاءَ ، لِتَحْمِلَ ذَهَبَكَ وَلُبَانَكَ وَمُرُّكَ وَأَطْيَابَكَ مِنْ مُذْوَدِكَ إِلَى الْجُلْجُثَةِ، وَتَذُوقَ مَجْدَ تَدْبِيرِ
الْقِيَامَةِ الْخَلَاصِيَّةِ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْكَ وَقْتٌ تُبَدِّدُهُ فِي الْأُمُورِ الْبَالِيَةِ ، فَقَدَّمْتْ زَادًا يَفُوقُ الْحَصْرَ وقوة عظيمة خرجت من يديك ، وَتَرَكْتْ
كَنْزًا وَمِيرَاثًا تَفْسِيرِيًّا لَاهُوتِيًّا دِفَاعِيًّا لِيتُورجِيًّا آبَائِيًّا بَاقِيًا فِي خِزَانَةِ الْكَنِيسَةِ، أُمِّ الْأَوْلَادِ الْفَرِحَةِ ؛ كَذَلِكَ حَفَرْتَ
فِينَا نَمُوذَجًا عَمَلِيًّا عَطَّرَ الْأَرْجَاءَ ، بِالْبَحْثِ وَالدِّرَاسَةِ وَالْقَدَاسَةِ وَسُجُودِ الْعَقْلِ الرَّصِينِ وَاسْتِنَارَةِ عُيُونِ الْقَلْبِ والحب للجميع من دون تحيز .
عَبْرَ مَرْكَزِ الْمَحَبَّةِ الْإِلَهِيَّةِ سَطَّرْتَ ايضا سِيرَةً حَافِلَةً بِالْإِنْتَاجِ الذِّهْنِيِّ الْمميز والممكن التمكين ، الْبَعِيدِ عنَ الِافْتِخَارِ الزَّائِفِ وَالتَّسطيح.
يَقِينِي أَنَّكَ كُنْتَ صَمِيمِيًّا لِأَنَّكَ خُبِّرْتَ قِصَرَ رِحْلَتِكَ ، وَأَنَّ الْأَيَّامَ قَصِيرَةٌ وَشِرِّيرَةٌ ، لِذَلِكَ افْتَدَيْتَهَا فِي عشق الثَّالُوثِ وَالذُّكْصَا الدَّائِمَةِ .
مُرَافِقًا أَعْمَالَ الْآبَاءِ وَأَقْوَالَهُمْ ، فَلَمْ تَكْتُبْ عَلَى مَا رَغبتْ إِلَيْهِ سَجِيَّتُكَ ، لَكِنَّكَ كُنْتَ مُثَبِّتًا مُقْلَتَيْكَ عَلَى مَشْرُوعٍ أَكَادِيمِيٍّ مُحَدَّدِ
الْجَوَانِبِ، طَمُوحًا ومهدفا ، لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُدَجَّجًا بِهَالَةٍ كَأَنَّكَ مُخْتَلِفٌ بِمَا مُنِحْتَ مٍنْ شَهَادَاتٍ ، بَلْ كُنْتَ عَفَوِيًّا طَبَيعيا مُدْرِكًا سِرَّ شَّرِكَةِ الْبساطة
مَعَ الْإِخْوَةِ ، لانها عَصَبَ خِدْمَةِ الْجَسَدِ كُلِّهِ. كُنْتَ أَيْضًا مَعْنِيًّا بِاعْتِرَافِ إِيمَانِ الْكَنِيسَةِ الْأُولَى الَّذِي كَتَبْتَ عَنْهُ، مُلْتَصِقًا بِالتَّلْمَذَةِ
لِلْقِدِّيسِ المُطَوَّبِ كِيرِلُّسَ الْأَوَّلِ الْكَبِيرِ، العَمُودِ ، حَافِظِ الْإِيمَانِ، مُعَلِّمِنَا كُنُوزَ الثَّالُوثِ وَمَنْهَجَ التَّفْسِيرِ وَالْعَقِيدَةِ وَالدِّفَاعَ الَّذِي
وَضَعَتْهُ رِيشَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ بِقَلَمِهِ وَقَلَمِ الْقِدِّيسِينَ المُطَوَّبِينَ يُوحَنَّا ذِي الْفَمِ الذَّهَبِيِّ وَباسِيلِيُوسَ الْكَبِيرِ الْكَبَادُوكِيِّ وَإِيسِيذُورُسَ الْفَرَمِيِّ؛ وذلك لِتَصِلَنَا
بِمِيرَاثِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَلَّمُونَا بِكَلِمَةِ الْحَيَاةِ. الْيَوْمَ رَقَدْتَ وَسَلَّمَتَ الرُّوحَ لِتَعْبُرَ إِلَى قِيَامَةِ الْمُخَلِّصِ وَتَتَسَرْبَلَ بِنُورِ قِيَامَةِ
الْمَسِيحِ إِلَهِنَا، بَعْدَ أَنْ بَطَلَ مَوْتُ الطَّبِيعَةِ السَّاقِطَةِ، لَابِسًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ الَّتِي عِشْتَ تَنْسِجُهَا بِاجْتِهَادٍ وَمَخَافَةٍ. إِنَّنِي أَرَاكَ بِعَيْنِ
الْإِيمَانِ عِنْدَ إِلَهِ الْأَحْيَاءِ لِأَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِالحَيِّ يَحْيَا هُوَ أَيْضًا وَيَرِثُ عَدَمَ فَسَادٍ ، وَيَصِيرُ شَفِيعًا لِلرَّعِيَّةِ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ.
اراك ايقونة توصل لمعرفة ذوق خبرة الاباء البعيدة عن التشويش والشخصنة ليصير علم الاباء حياة ومنهج يعاش ويمتد للبنيان ولخير الكنيسة كل الكنيسة في ملئها .